إلى طاولة التفاوض، لكن في الأزمة بين نقابة الثانوي ووزارة التربية تنسف هذه القواعد تماما، فما يهم اليوم هو كيفية تحسين شروط التفاوض وان اقتضى الأمر تجاوز كل الخطوط الحمراء لتقع المراهنة «بالمستقبل».
اليوم تنفذ نقابة التعليم الثانوي ما توعدت به، لتعلق الدروس بدایة من اليوم إلى اجل غير معلوم (انظر مقال مجدي الورفلي)، وبهذا تدخل أزمة نقابة التعليم الثانوي والوزارة مرحلة جديدة ومعهما العلاقة بين الحكومة والاتحاد، والاهم صورة الاتحاد في ذهن التونسيين. وضع غير مريح لأي طرف في الأزمة أو من ضحاياها، فالجميع يدرك ان المرحلة التي بلغتها الأزمة تستوجب اليوم حلا فعليا، بعيدا عن الطمأنة او التشديد على انه لن تكون هناك سنة بيضاء، فهذا لم يعد كافيا مع اقتراب انتهاء السنة الدراسية وانطلاق المناظرات الوطنية، مع بداية شهر ماي القادم.
ضيق الوقت ونوعية التحرك النقابي والاثر الذي سيخلفه هذا على الشارع التونسي واساسا على الاسرة التونسية، هما عناصر محددة في الأزمة وفي الخيارات التي ينتهجها طرفاها، فقرار الهیئة الإداریة لجامعة التعلیم الثانوي، التي انعقدت الجمعة 13 افریل بمقر الاتحاد العام التونسي للشغل، تمثل في مواصلة حجب الأعداد وتعلیق الدروس بدایة من تاریخ 17 أفریل الجاري باستثناء امتحانات البكالوریا ریاضة، لا هدف له إلا الضغط على وزارة التربیة والحكومة لدفعهما للاستجابة لمطالب النقابة الـ9 .
بالمثل كان قرار رفض المطالب من الوزارة والحكومة من خلفها، ضغط على الاتحاد العام التونسي للشغل، وعلى نقابة التعليم الثانوي، بدفع الأخيرة لتنفيذ وعدها ووضع المركزية والنقابة أمام حرج كبير، تمهيدا لإجبارها على العودة للتفاوض في ظل أفضلية للوزارة على النقابة، ستنتقل لاحقا لتصبح أفضلية للحكومة على اتحاد الشغل في اية مفاوضات لاحقة.فالأزمة بلغت من التعقيد ما يجعلها تتجاوز نطاقها المحدد سلفا، فهي بوعي من جميع الأطراف حتى وان نفوا، ساحة لمعركة غير معلنه بين الحكومة واتحاد الشغل، كلاهما ينظر إليها على أنها ستكون النقطة المحددة في من سيغادر منتصرا.
اتحاد الشغل الذي تعاني فيه المركزية من حرج بسبب قرارات نقابة التعليم الثانوي بحجب الإعداد وتعليق الدروس، يدرك ان الاستمرار في تنفيذ هذا الشكل من الاحتجاجات سينتهي به في صدام مع الشارع، ففي كواليس يقر قادة الاتحاد ان نقابة الثانوي وضعتهم في إحراج وان شكل الاحتجاج المتبع غير شعبي ويضر بصورة اتحاد الشغل بشكل كبير، لذا وجب احتواؤه قبل الوصول إلى نقطة اللّا عودة. لكنها في المقابل غير مستعدة لان تتخلى عن نقابة الثانوي، لعدة اعتبارات، أولها حجم النقابة وتمثيليتها في المنظمة وثانيها أن هذا الخيار سيضعف الاتحاد أمام الحكومة في ظل ازمة.
فقادة الاتحاد يعتبرون ان حكومة الشاهد وضعت بيضها في سلة «الصدام مع النقابات» غير الشعبية، لتقدم نفسها على أنها في مواجهة الانفلات النقابي، وبهذا تحقق شعبية في الشارع، كما يعتبر الاتحاد ان موقف الحكومة من أزمة الثانوي وتشددها في المفاوضات هو نتائج مباشرة لمطلب الاتحاد بتحوير وزاري بل وتغيير كلي للحكومة.
هذا الرأي ليس بعيدا عن الحقيقة كليا، فحكومة الشاهد تدرك ان معركة نقابة الثانوي هامة لها، بل هي مسألة حياة او موت، وان حسن إدارتها قد يجنب رئيسها الذهاب، لهذا اختارت ان تتبع إستراتيجية مواجهة جديدة، قوامها دفع الاتحاد إلى «الأقصى» والتصعيد في الثانوي. فاي تصعيد من وجهة نظرها سيدفع بالاتحاد الى الزاوية، وفي ظل الاكراهات العديدة، قد يصبح الشاهد هو اليد الوحيدة التي تنقذ المركزية النقابية وتجنبها تحمل تبعات استمرار التصعيد وسنة دراسية بيضاء، التي ان وقعت فإن أول من سيدفع ثمنها هو اتحاد الشغل من مخزون صورته الاعتبارية لدى التونسيين كمنظمة وطنية جامعة.
حجم الأزمة وأهمية تجاوزها، قد يصبح هو الخطر ان استمرت خيارات التصعيد والتعويل على مزيد من محاصرة الطرف الآخر، قد تدفعه إلى تجاوز الخط الأحمر بشكل كلي وقاطع، هذا هو المحظور فأي خطوة إلى الأمام ستجر الجميع الى الهاوية ولن تفرق بين من هو على صواب ومن هو على خطأ.