خاصة وان تداعيات الأخيرة أعادت فتح النقاشات صلب حركة النهضة عن طريقة إدارة توافقها مع حركة نداء تونس، في ظل رأي يجد له مساندين يعتبر ان النهضة لم تكن صارمة مع شريكها نداء تونس.
حسم الجدل بشأن تمديد أعمال هيئة الحقيقة والكرامة، بان رفض المجلس التمديد بعد أشغال جلستين عامتين شابتهما تجاوزات وتلاسن وتشابك بالأيادي. هذا الفصل من الخلاف بين كتلتي حركة النهضة والنداء، أعاد إبراز موقف جزء من النهضة يرى ان القيادة الحالية لم تحسن إدارة التوافق.
هذا الجزء من الحركة الذي عبر سابقا عن نفسه في اكثر من مناسبة أبرزها التصويت على قانون المصالحة الإدارية، حيث امتنع نصف الكتلة تقريبا عن التصويت له فيما صوت بعض منها ضده، رغم ما رافق عرض القانون من اشارات الى انه محل توافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحركة ضمن حزمة تتضمن المصالحة والعدالة الانتقالية.
حزمة التوافقات باتت تتساقط تباعا، ففي اقل من اسبوع تجرعت الحركة «فشلا في تمرير توافقات بشان المحكمة الدستورية وهيئة الحقيقة والكرامة، لينفك عقد توافقها مع النداء الذي وجد نفسه في تقارب مع المشروع الذي احتفل معه يوم امس في احدى قاعات المجلس اثر رفض التمديد.
سياق ومشهد عام، برزت فيه الحركة كما العاجز عن ادارة توافقها مع نداء تونس بما يرضي أبناءها وناخبيها، لكن هذا ينفيه قياديون من الحركة من بينهم نور الدين العرباوي، الذي يشدد على ان ما حدث خلال اليومين الفارطين لا يغير من الوقائع السياسية.
فالتجاذبات والتلاسن في مجلس النواب بشأن ملف الهيئة يعتبره رئيس المكتب السياسي «الانفعالات غلبت على العقل» من قبل الجميع أثناء مناقشة ملف حساس لا تستطيع تونس ان تكمل انتقالها الديمقراطي دونه.
الإقرار بان الحركة لا تزال تنظر إلى العدالة الانتقالية كضرورة أساسية لنجاح الانتقال الديمقراطي يقترن لدى القيادي بتشديده على أنها لا تزال حريصة «عليها» لهذا فهي تعمل على تجاوز أثار التعاطي السلبي مع الملف في مجلس النواب والوصول إلى تحقيق العدالة الانتقالية كمسار ينتهي بالمصالحة الوطنية.
موقف رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة لا يقتصر على الإشارة إلى تمسكها بالعدالة الانتقالية، بل يشمل أيضا التوافق، إذ يشدد العرباوي على انه لا خيارات اخرى امام الطبقة السياسية وحركته غير التوافق رغم ما فيه من تعثرات.
فالتعثرات التي شابت التوافق بين حركته ونداء تونس، لا ترتقي كما يشرح العرباوي الى مرتبة دافع للحركة لمراجعة التوافق او مراجعة شروطه، فالحركة ترى انه «لا يوجد خيار اخر غير التوافق الا المرور بالقوة» وهذا الامر لا طرف سياسي له القدرة عليه تماما كما لا قدرة لأي طرف على العودة لما قبل 2011 .
الإقرار بان التوافق له صعوبات وإشكالات وسلبيات، يرتبط بقول نور الدين العرباوي أن ما يحدث من تجاذب لن يغير شيئا، فحركته تنظر إلى التطورات على انها «صعوبات درجتها عادية ... كما أنها أزمة لم يتغير نوعها» والأزمة التي يشير إليها العرباوي قد تساعد الانتخابات البلدية على تجاوزها، ذلك أنها ستشجع على التدارك في المجالات التي بها بطء.
رئيس المكتب السياسي للحركة الذي يرفض ان يعتبر التجاذب الأخير مع النداء سببا لمراجعة التوافق، يتقاطع مع زميله في الحركة عبد الحميد الجلاصي في نقاط محددة ويختلف معه في اخرى، فالمشترك بين الرجلين هو ان التشاركية في ادارة الشأن العام والحكم لا تراجع عنها وهي قناعة لدى الحركة.
لكن الاختلاف وكيف يدار هذا الامر، فالجلاصي الذي يشدد على ان فلسفة التوافق او التشاركية في هذه المرحلة يجب ان تضبط على أهداف وهي تحقيق الانتقال الديمقراطي والانتقال الاقتصادي، وان تدرك اتضاح مزاج الناخب المتجه الى كتلتين انتخابيتين، الاولى لها ميول حداثية والثانية محافظة، وهاذان الجسمان يمثلهما نداء تونس، كممثل رئيسي والثانية النهضة كممثل رئيسي.
هذه الفلسفة يشرحها الجلاصي بقوله ان التشاركية لا تعني الاندماج والتماهي وغياب التنافس، ليقدم وصفته وهي التشارك لكن بالمزج مع التكامل والتنافس، تمهيد يعقبه تشديد من الرجل على ان ما حدث في السنوات الثلاث الفارطة منذ 2014، لم يكن متناسقا مع فلسفة التوافق.
اذ ان ما حصل هو ان نداء تونس لم يستطع تقمص لباس حزب في الحكم، ولم ينجح في ان يصبح حزبا بل استمر كما نشاء «حاجة/وحالة» تعاني من الهشاشة، لذلك فهو عوضا عن تحمل مسؤولية نقص الانجاز في الملف التنموي، يريد تحويل الوجهة الى ملفات اخرى، كالنظام السياسي ونقاشات ملفات الهوية والمجتمعية، وهذا اعتبره الجلاصي «خفة».
توصيف النداء وتحميله المسؤولية لا ينفى وفق الجلاصي عن حركته تحمل جزء منها، فالنهضة لم تدر التقارب والشراكة بالذكاء الكافي، كما قال. ليعتبر ان حركته كان بمقدورها ان تكون اكثر صرامة في ادارة التوافق، فلو قامت بذلك ربما كان الوضع العام افضل حاليا وربما الوضع الداخلي للنداء ايضا.
ليقول الجلاصي ان حركته عقلانية ولكن عليها ان تدرك ان احداث قدر من التوازن سيحمي البلاد ويوفر شروط نجاحها، خاصة وأنّ شريكهم لم ينجح في طمأنة التونسيين بأنه ينتمي لعصر ما بعد 2011.
القول بالتقصير وبان الحركة كان بمقدورها القيام باكثر من مجاملة شريكها نداء تونس، يبين ان الحركة تقف على أرضية واحدة ان تعلق الأمر بالتوافق والشراكة لكن في ظل تقييمين يتعلقان بكيفية ادارة التوافق واين يجب ان تتنازل الحركة واين وجب عليها ابراز حجمها.
رأيان لكل منهما نصير ومتبني، في ظل قراءات تشترك في ان المناخ العام الداخلي والخارجي لا يسمح بعد للحركة بان تطمئن لما هي فيه اليوم، لكن الخلاف يكمن في كيفية ادارة المرحلة ووفق اية شروط وضوابط.