تلميح في خطاب رئيس الجمهورية، يليه اثر 24 ساعة فشل المجلس في تنزيل توافقات كتله السابقة على الواقع،24 ساعة اخرى يعلن الشاهد ان حكومته اعدت مبادرة لتنقيح القانون الاساسي للمحكمة الدستورية. هذه السلاسة في الأحداث ولدت جدلا وتأويلات عديدة لكنها بالأساس أربكت المشهد البرلماني في ظل تضارب الآراء بين الكتل بل وصلب الكتلة الواحدة.
يوم امس اعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد من قصر قرطاج، إثر لقائه برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، عن «البدء في صياغة مشروع قانون أساسي لتغيير الأغلبيّة المستوجبة لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية اعلان جاء لينقل تلميح رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال الى ارض الواقع، بعد ان سبق وهيأ فشل المجلس في الامر.
هذا المخرج من الأزمة سيكون موقف الكتل هو المحدد فمن سيرجح كفته، مبادرة الرئيس او الإجراء القانوني وهي إعادة المسار من الصفر، بعيدا عن التصريحات الصحفية التي تتجنب القول صراحة عما يفكر به قادة الأحزاب، فمن تحدث يوم امس ركز مداخلاته على تحميل المسؤولية او التنصل منها، على غرار حركة النهضة التي عبرت عما تفكر به بخطابين، خطاب مؤسساتي اطلقه نور الدين العرباوي رئيس المكتب السياسي، يتضمن اقرارا ان المهم اليوم هو ايجاد مخرج اكثر من البحث عن تحميل المسؤولية.
اهمية المخرج لا تتعلق بما يتضمنه بل بالوقت الذي يوفر، وفق تصور النهضة غير الرسمي بعد، لكن هذا يقابله رفض صريح من قبل النائب سمير ديلو، الذي عبر عما يختمره هو وجزء من النواب، وهو ان من تسبب في الفشل هي حركة نداء تونس، في المرة السابقة، اما الاخيرة فالمسؤولية تتوزع على المشروع والنداء، كما يلمح.
تلميحات ديلو تصبح تصريحا ان تعلق الامر باي المخارج افضل لحل ازمة المحكمة الدستورية، فهو يرى ان الافضل هو اتباع الاجراءات القانونية وتجنب تنقيح القانون الاساسي، ويبني رفضه على منطق سياسي واخلاقي، فهو يعتبر انه من غير السليم ان تكون عضوا في محكمة منتخبة بـ150 صوت فيما الثلاثة، بـ109، ليس هذا فقط بل يعتبر ان معالجة الازمة بتنقيح القانون لا يحلها بل يولد ازمات جديدة.
الرفض يتقاسمه ديلو مع عبد الرؤوف شريف، رئيس الكتلة الحرة، الذي يقول في تصريح لـ»المغرب»انه وحزبه مشروع تونس، يرفضان بشكل اولي، الذهاب الى تعديل القانون لتجاوز عقبة النصاب القانوني، والسبب هو انه تم انتخاب عضو من اصل اربعة، ولا يعقل ان يكون ممثلوا المجلس في المحكمة الدستورية، منقسمين احدهم بـ150 صوتا والبقية بـ109، فالامر ايضا من وجهة نظره غير اخلاقي.وتلمح حركة المشروع-التي تقول صراحة انها تراجعت عن التوافق السابق بعد ان اتضح لها ان النية لا تتجه لحل الامر بل الى تعقيده فاختارت ان تجنب نفسها التورط- الى ان من يسقط التوافق ليس هم بل كتلة اخرى تعلن موقف وتضمر عكسه، في تلميح صريح لنداء تونس. لكن هنا لا يغلق الشريف الباب نهائيا، فهو يلمح الى امكانية تعديل الموقف من مبادرة الرئيس ان وجدوا انها الانسب.
موقف الحرة تتقاسمه مع كتل اخرى من بينها الكتلة الديمقراطية التي شدد العضو بها عماد الدايمي على انهم سيكونون ضد تمرير التعديلات، والسبب انهم يعتبرونها «محاولة انقلاب» على المسار الديمقراطي وترسيخ لهيمنة النداء على المؤسسات، فمن وجهة نظر الدايمي فشل المجلس في انتخاب الاعضاء جاء كنتيجة حتمية لخطاب الرئيس، فهو يعتبر ان خطاب الاستقلال تضمن اشارات صريحة بتعطيل مسار المحكمة الدستورية. الاشارة وفق الدايمي استجابت لها كتل قريبة من رئيس الجمهورية الذي قدم مبادرته للحل، وترفضها الكتلة الديمقراطية لان هدفها كما تعتبر هو «الهيمنة والتغول» وفرض محكمة دستورية من لون واحد.
هذه المخاوف من فرض لون واحد على المحكمة ستعزز بتصريحات قادة نداء تونس، ومن بينهم تصريح المنجي الحرباوي، الناطق الرسمي، الذي اعلن ان حزبه مع المقترح التعديلي بل ويرى انه الانسب خاصة وان القانون الاساسي للمحكمة الدستورية، به هنات عدة، من بينها النصاب وجهة الترشيح وطريقة الانتخاب.
الخيار الأفضل وفق الحرباوي هو تنقيح القانون لان التمشي القانوني، الحالي، قد يؤدى الى ان تمتد فترة الحسم كثيرا، والبلاد من وجهة نظره لا تحتمل هذا، لذا فهو وحزبه يفضلان ان ينكب المجلس على تمرير التنقيحات المقترحة من الحكومة بصفة استعجالية، والمرور الى عملية الاختيار عبر الية 50+1، اي ان حصول مرشح على 109 أصوات في جلسة التصويت كاف لمروره.
هذا المسار الذي يشير الحرباوي انه الافضل، لا يختلف عن المسار القانوني المنصوص عليه الان الا في النصاب،اي انه من المرجح ان يتاخر تركيز المحكمة اشهرا اخرى، في انتظار ان تكشف الحكومة عن مشروع مبادرتها وكيف ستعالج هذه النقطة، فرئاسة الحكومة التي اعلنت البدء في صياغة القانون، تتحفظ عن تقديم تصورها، فهي لم تصغه بعد.