على ضوئهما يتحدد مصير الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد الذي يراهن على «تمسك» رئيس الجمهورية به، وعلى التناقضات البينية بين الفاعلين الأربعة الأساسيين اليوم في المشهد.
لم يتاخر رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في الاعلان عن موقفه من الجدل الدائر بشأن حكومة الشاهد ورحيلها، فهو وفي كلمته امام داعمي وثيقة قرطاج الـ9 اعلنها صراحة بان هناك مستجدات قد تفرض تغييرا، بعد ان سبق وقال ان وثيقة قرطاج وحكومة الوحدة الوطنية «ليسا صالحين لكل مكان وزمان».
هذه المباشرتيه في طرح الملف على الطاولة. دون انتظار ان يثيره اتحاد العام التونسي للشغل، جعل الحوار يدار في اتجاه وحيد، وهو كيف يقع تعديل الفريق الحكومي، فرئيس الجمهورية الذي طرح مسألة ادراج المقترحات الاقتصادية والاجتماعية للاحزاب والمنظمات في وثيقة قرطاج نجح ايضا في ان يجعل من الوصول الى توافقات بشان المقترحات امرا سابقا لفتح باب الحديث عن التغيير او التحوير بالاسماء .
ففي كلمته اوصى قائد السبسي الحاضرين بضرورة الجلوس معا للتوافق على الأولويات وعلى منهجية عمل واضحة، دون ان يختتم كلمته بمطالبة الحاضرين الإعلان عن مواقفهم علنا في الإجتماع.
هنا فتح باب لنقاش نجحت ابواب قصر قرطاج في حجبه لتظل المواقف مجهولة الا من اعلن عن موقفه بنفسه، اما قبل الاجتماع او بعد، كاتحاد الشغل الذي اوضح امينه العام نور الدين الطبوبي انه لا يزال مع اجراء تحوير وزاري بل وتغيير الحكومة برمتها.
الطبوبي وهو يغادر قصر قرطاج ويعلن عن وصول المجتمعين الى اتفاق على تكوين لجنة تكلف بوضع خارطة طريق وبرنامج عمل، يقع الانتهاء من ضبطه نهاية هذا الاسبوع من قبل ممثلين عن طرف، ليجتمع قادة المنظمات الوطنية الاربعة والاحزاب الخمسة الاسبوع القادم ويقررون مصير الحكومة.
موقف عبر عنه الطبوبي بقوله «..بداية من الاسبوع القادم ينعقد اجتماع جديد للموقعين على وثيقة قرطاج لمعاينة العمل الذي سيقوم به المكلفين بتحديد الأولويات ثم النظر على ضوء ذلك في الفريق الحكومي ورئيس الفريق الحكومي الذي سيكون قادرا على تجسيم برنامج ما تبقى من المرحلة».
فضبط الأولويات ضروري «لتحدد الكفاءات المطلوبة في الحكومة ومن سيترأسها» وفق الطبوبي الذي اعلن صراحة ما اعلن ضمنيا باحداث اللجنة ، وهو ان الحكومة فشلت ولا تمتلك برنامج عمل وخارطة طريق.
ما يعلنه الطبوبي من ان كل الاحتمالات واردة وابرزها تغيير الحكومة يقابلة اعلان الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش ان رئيس الجمهورية اكد للحاضرين ان «الحديث عن تغيير حكومة يوسف الشاهد او الابقاء عليها لن يتم الا بعد الانتخابات البلدية»، دون ان توضح ان الرئيس كان يتجه بكلامه الى كل من اتحاد الشغل ومنظمة الاعراف اللتين قدمتا مقترحات متشابهة وهي تغير الحكومة وتعويضها بحكومة كفاءات كما طرح الاعراف على لسان رئيسهم سمير ماجول اصطفاف الاعراف والشغالين في خانة الدافعين الى تغير الحكومة بكاملها يقابله، ارتباك الاحزاب التي وجدت في ما قاله رئيس الجمهورية في اول مداخلته ما يمكنها من المناورة وربح الوقت، وذلك عبر بوابة لجنة صياغة خارطة الطريق.
فاللجنة التي اتفق كل من راشد الغنوشي وحافظ قائد السبسي على ان تشكيلها مهم وعلى أن مهمتها ليست اقتراح التحوير الوزاري بل «ضبط برنامج وخارطة طريق» لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. وهذا لتحديد طبيعتها وحصرها ضبط الأولويات، لتبقى للاحزاب سلطة معارضة اي مسار يتناقض ومصالحها.
القصد بهذا حصر عمل اللجنة في الجانب التقني، الذي أتعبته حركة النهضة ونداء تونس هو المهم، فتونس ومنذ 8 سنوات شهدت تغيير الحكومات لكن لم يتحقق المنشود وهو الخروج من ازمة اقتصادية واجتماعية، بهذا القول تفتح الحركتان الباب على احتمالات عدة.
فهما وان قبلتا باحتراز مبدأ التحوير على ضوء تقرير اللجنة فقد رفعتا ورقة «النقض» امام تغيير الرئيس، ليس حبا فيه بل لاعتبار الحركتين ان القبول بهذا المقترح المقدم من الاعراف واتحاد الشغل هو بمثابة الرضوخ لهما، وإعلانا صريحا انهما « الفاعلين السياسيين الاقوى» على الساحة.
القول بهذا يعني ان الحزبين قبلا بالتخلي عن «سلطتهما» لصالح المنظمتين وهذا له تداعيات داخلية صلبهما، لا احد منهما على استعداد لقبولها خاصة وان كلاهما في طور الاستعداد لحملة انتخابية بلدية تلحقها انتخابات تشريعية ورئاسية بعد سنة واشهر معدودات. وليس هذا فقط ما يدفع الحركتين الى المناورة لمنع امتداد «رقعة زيت» التغيير الى خارج الاطر التي يرغبان فيها.
التحكم في رقعة الزيت لن يتم الا للجنة الصياغة التي قد تصبح حبل نجاة الحكومة، فاللجنة التي يتحكم بها فعليا اربعة أطراف هم الاقوى،(اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف و حركة النهضة ونداء تونس)، تقسم التناقضات الى صفين، الاول يضم المنظمات والثاني الاحزاب، وكل صف منهما تشقه تناقضات بينية.
هذه التناقضات تراها حكومة الشاهد بالأساس على انها فرصة لنجاتها من السقوط، لكنها تغفل عن ان قبول داعمها الاول، رئيس الجمهورية، باحداث لجنة لضبط خارطة طريق يغير الكثير حتى ان ظلت، فالإقرار صراحة بأنه لا برنامج عمل للحكومة وفتح الباب للأحزاب والمنظمات لرسم البرنامج يعنى صراحة ان الرئيس قد يكون داعما لحل ثالث للازمة، وهو ان تصبح الحكومة «اداة» تنفيذ لسياسات لا ترسمها ولا تشارك في وضعها.