بعد أن تجاوزت حيف شهر جانفي وما تبعه من احتقان اجتماعي، لكن خلف الهدوء النسبي ما زالت أسباب الغضب قائمة مما يوحي بان الهدوء ليس سوى استراحة بين شوطين قد تطول الى ما بعد الانتخابات البلدية.
الاحتجاجات الشعبية والاحتقان الاجتماعي التي ميزت النصف الأول من شهر جانفي الفارط، عاد إليها تقرير المنتدى التونسي (انظر مقال كريمة الماجري) ليذكر الجميع أحزابا وحكومة، بما عاشوه طوال أسبوعين تقريبا من تحركات احتجاجية تصاعدت وتيرتها في أيامها الأربعة الأخيرة تخللتها أحداث عنف وشغب.
تذكير المنتدى جاء في شكل تقرير رصد عدد الاحتجاجات وتوزعها ونوعها وأسبابها، التي لاتزال قائمة بل تفاقمت في بعض الجوانب، وهو ما يجب ان تتلقفه الحكومة والأحزاب المقبلة على الانتخابات البلدية، لتجنب موجة جديدة من الاحتجاجات قد تكون اعنف من سابقتها. في ظل مؤشرات عديدة توحي بهذا الخطر، وهي بالأساس اقتصادية واجتماعية، قد تلقي بظلالها على العملية الانتخابية في ماي القادم.
فالموجة الاولى من الاحتجاجات التي انطلقت مع بداية سريان تطبيق اجراءات قانون مالية 2018، لم تكن عملية تطويقها بالصعبة على الحكومة والفاعلين السياسين وخاصة الاتحاد الذي لم يدعمها بشكل غير مباشر بل ندد امينه العام بعمليات التخريب والسرقات التي وقعت. أما الموجة الثانية فسيكون الاتحاد جزءا منها، وبالأدق القواعد النقابية التي ستجد نفسها في أتون التحركات الاحتجاجية. وانخراطها في التحركات سيكون بالأساس رفض جزء من قواعده للإصلاحات الاقتصادية التي سيشرع في تنزيلها على ارض الواقع، إضافة الى مجريات مفاوضات الزيادة في الأجور، العامة او القطاعية.
هذا العنصر الذي يؤجل النظر فيه من قبل الطرفين، فالحكومة مستكينة للاتحاد العام التونسي للشغل وتعتبره سندها وداعمها الأول وسيقدم لها تنازلات متى اقتضت الضرورة، ليغيب عنها ان المركزية النقابية بدأت تراجع هذا الدعم في كواليسها وهي على استعداد لسحبه ان اقتضت ضرورة ومصلحة الاتحاد. اي ان المركزية ستضحي بحكومة الشاهد وليس بتوازن الاتحاد خاصة وان الملفات القادمة لن تقبل فيها المعالجات المجتزئة او ترحيل الخلافات.
في ظل هذا التوجس بين الطرفين، تهيئ الظروف على الأرض لموجة جديدة من الاحتجاجات، عناصرها توفرت في انتظار عامل «إشعال» لتنطلق، وهذا قد يفاجئ الأحزاب التي تراهن على ان المناخ العام يتجه للتهدئة بسبب قرب موعد الانتخابات البلدية، وان التحركات لن تكون بالخيار المطروح. قراءة تستند إلى ما حدث في 2014 في فترة من هدنة سياسية واجتماعية. لكن السياق اختلف كما عناصر المشهد.
هذا يضاف إليه حزمة التطورات الأخيرة، من تصنيف في اللائحة السوداء وما قد ينجم عنه من تجميد للمنح والمساعدات من قبل الاتحاد الأوروبي، تراجع مخزون الاحتياطي من العملة الصعبة،(هذا سيكون له تأثير على السوق المحلية بشكل لافت خلال أسابيع) أيضا توقف إنتاج الفسفاط والاعتصام القائم في قفصة ونقاط أخرى عدة.
جمع كل هذه المؤشرات سويا مع عنصر «قادح» ستكون نتيجة وخيمة لا على حكومة الشاهد بدرجة أولى ومن بعدها الأحزاب السياسية خاصة تلك التي في الحكم، لكن هذا لا ينظر إليه على محمل الجد، ولا تتخذ خطوات عملية للحؤول دونه.