«سيبني»، تكفير يوسف الصديق وغضب الصحافة: الوجه القبيح للسياسة في تونس

تكشف قضايا الحريات في تونس عن إعادة تشكل للمشهد وتخندق جديد، لينقسم الرأي العام إلى ثلاثة أقسام، قسم ظل ثابتا في كل

المراحل في ما يؤمن به ويدافع عنه، وقسمان يتبادلان المواقع عن اليمين واليسار، فما يحرك الآخرين ليس قناعة وإنما حسابات كشفتها خلال الأسبوعين الفارطين حادثتا، تكفير يوسف الصديق وأزمة قطاع الإعلام مع الحكومة.

خلال سبع سنوات تباينت المواقع التي يقف عليها بعض السياسيين وقادة الأحزاب، كلما تعلق الأمر بملف الحريات العامة والفردية، فبعض ممن وقف قبل أربع سنوات مناصرا لحريات الأقليات الدينية والجنسية وقضايا حرية التعبير والرأي، بات اليوم يقف على نقيضها رافضا لها باعتبارها لا تستجيب لما يرغب.

في المقابل البعض الآخر الذي لم يكن يخفي موقفه المتسم بالعداء للحريات طالما أنها لا تستجيب لمطامحه، غيّر موقفه وبات يدافع عن الحريات وينهى خصمه السياسي عما يأتيه من انتهاكات، كانتقام منه عن موقف مشابه اتخذ في السابق.

أسبوعان مرّا محملين بإحداث محدودة إعادة تأكيد ان جزءا من الطبقة السياسية يدافع عن قضايا الحريات من منطلق حسابات سياسية لا من منطلق مبدئي لا يقبل التجزؤ او الاستثناء، حسابات كانت محرك حملات تشهير او توجيه للراي العام الى الجهة التي يراها صاحبها.

اول حدث كشف تناقض الطبقة السياسية التي تبنت اثناء وجودها في المعارضة كل قضايا الحريات دون استثناء، هو تفريق تظاهرة «سيبني» التي دعت اليها جمعية المفكرين الأحرار وجمعية شمس، لانها دافعت عن حقوق المثليين في تونس.

مسيرة جوبهت بالمنع والتفريق بالقوة، لكن لا احد ممن ترصد للترويكا زلاتها واخطاءها اطل ليعلن عن رفضه للمعالجة الامنية ودعمه لحق اقليات جنسية في ان تحتج، بل تورطت احزاب في توظيف هذا الحدث لتصفية حسابات بينها، كما حدث مع قيادية شابة في حركة نداء تونس استغلت صورة تجمع بين الامين العام السابق لحزبها محسن مرزوق ومدير اذاعة شمس راد لتتهمه بالترويج للمثلية.

صورة كانت وقود حملة على مواقع التواصل الاجتماعي كانت لتتطور اكثر لولا الحدث الثاني الذي أعاد توجيه الأحداث، تكفير الباحث في الإسلاميات يوسف صديق، عملية مرت دون إثارة حفيظة الطبقة السياسية او موقفها باستثناء حركة النهضة التي استبقت تحميلها المسؤولية بان أدانت عملية التكفير. إدانة الحركة لعملية التكفير لم تحل دون حملة تشهير، كانت محتشمة، بالمفكر يوسف صديق، حملة قادتها صفحات في الفايسبوك مقربة من التيار الاسلامي، تعمدت التلاعب في صور وتقديم المفكر على انه «سكير» يتطاول على الإسلام.

تشويه للرجل لم يستفز اية جهة سياسية لاعلان الدعم له، بل مر كانه امر طبيعي، كما حدث اول الامر مع حملة تشهير وثلب اطلقها بعض النقابيين الامنيين ضد الصحفيين ونقيبهم، ففي الساعات الـ24 لم يصدر اي موقف يدين او يحذر من استمرار الانزلاق قبل ان تتواتر المواقف لاحقا.

مواقف كشفت ان جزءا من الطبقة السياسية ظلّ وفيا الى مقولاته ودفاعه عن ملف حرية التعبير والحريات العامة، دون ان يعني هذا انها تدافع عن الحريات الفردية فهذا لا يزال مفهوما دخيلا بالنسبة لها، في المقابل كشفت ان جزءا اخر غير من موقعه وموقفه من الصحافيين، من ذلك الرئيس السابق المنصف المرزوقي الذي اعلن دعمه للصحفيين ضد محاولة ضربهم. هذا الموقف كان ليكون كافيا لو لم يسبق لصاحبه ان تورط هو الاخر في التشهير بالإعلام والاعلاميين، والتجريح في غالبيتهم مع اصطفاء «نخبة» مقربة منه اعتبرها «إعلاما بديلا» ومهنيا.

تقلب المواقف وتغير المواقع ليس بالغريب على الطبقة السياسية، لكن هذا لا يعني ان يقع تجاهل ان هناك حدودا دنيا للتقلب وان هناك مسائل مبدئية لا يحدد الموقف منها بدرجة الاستفادة او الضرر، وان الخلاف لا يعني ان يقع اطلاق حملات تشهير وتشكيك في الاخر.ففي السنوات السبع الفارطة كانت هذه الحملات احد عوامل العزوف عن الشان العام واحد أسباب تراجع منسوب الثقة في الطبقة السياسية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115