كأن تتمكن من التقدم في الدوائر البلدية الـ350 جميعها، أمنية تحملها فقط حركتا النهضة والنداء، اما البقية فهي اكثر واقعية وتعلن عن ان لطاقتها حدودا.
يعلن قادة نداء تونس دون استثناء في خطابهم الرسمي أنهم بلغوا مرحلة متقدمة جدا من إعداد قائماتهم التي سيخوضون بها الانتخابات البلدية في 6 ماي القادم، وإنهم سيخوضونها في 350 دائرة بلدية تستوجب تقديم 7200 مرشح أساسي وحوالي 800 مرشح احتياطي. ثقة النداء في قدرته يقابلها أمر مشابه لدى حركة النهضة التي تقر بانها تواجه بعض الصعوبات ولكنها في طور تجاوزها.
خطاب رسمي للحركتين يشترك في سمتين أساسيتين، الأولى أنهم سيترشحون في الدوائر الـ350 والثانية أنهم تقدموا أشواطا في إعداد قائماتهم، جميعها حتى وان اختلفت إستراتيجية الحركتين في من يكون ضمن القائمات، فالنداء يقول أنها من أبنائه وحدهم، أما النهضة فهي منحت النصف لمستقلين. خياران مختلفان لا يؤثران بصفة جذرية على الرهانات الكبرى للحركتين وهي الترشح في اكبر عدد من الدوائر البلدية اولا والفوز بها لاحقا.
بالنسبة للرهان الاول، الذي تعلنه الحركتان في خطابيهما وتتعهدان به، هو الترشح في الدوائر الـ350، يبدو انه «المهمة المستحيلة» الأولى للحركتين معا لن يتحقق لكليهما دون الاخذ بمخاطرة كبرى، فبعيدا عن التصريحات الرسمية المتفائلة الوقائع الفعلية تخبر الكثير.
لنداء تونس وقائع الأرض تخبر ان الحركة تجد صعوبات عدة في إقناع مرشحين محتملين بالالتحاق بقائماتها، خاصة ان اتجهت الى الجنوب أو الدواخل، لكن هذا ينفيه عبد العزيز القطي ويشدد على ان حركته ستتقدم في كل الدوائر وبقائمات تضم كفاءات محلية وجهوية مشهود لها.
تعهد يبدو انه سيكون صعب التحقيق فالنداء يعلم انه سيكون بين خيارين، اما ان يتقدم بقائمات لها «مقبولية» في الشارع المحلي اي قائمات لها حظوظ بالفوز في الاستحقاق وهذا يعني انه لن يترشح في الدوائر الـ350 بل في 300 دائرة او أكثر قليلا وفق استجابة المرشحين لكل الشروط، او ان يتقدم في كل الدوائر بشعار «المهم الترشح وليس فوز القائمة» وهذا الثمن الذي قد يدفعه نداء تونس لتحقيق رهانه الأول، الذي انطلق متأخرا في مساره.
عمليا تحقيق النداء لوعده بالترشح في الدوائر الـ350 سيكون المهمة المستحيلة ، وهو ما تدركه الحركة التي اختارت ان تخفف الضغط على نفسها بان فتحت قائماتها للمستقلين على أمل أن تصل الى ضبط 350 هي الأخرى، ولهذا تواجه الحركة صعوبات جمّة فقبل اقل من شهر من موعد إيداع القائمات المترشحة تمر الحركة بمشاكل عدة في صفوف أبنائها ممن تريد إقناعهم بالتنازل والمشاركة الصورية في الانتخابات.
كما النداء تواجه النهضة إشكالا وضعت نفسها فيه يوم تعهدت بالترشح في الدوائر الـ350 قبل ادراك ان تحقيق هذا التعهد مستحيل عمليا، رغم انها ومنذ اوت الفارط تسابق الزمن لتحقيق هذا ولم تدركه بعد، بعد ان اكتشفت الموانع الموضعية لتحقيق هدف الترشح في كل الدوائر.
في انتظار تحقيق معجزة، تعاند الحركتان في الإقرار بان تحقيق هدف 350 قائمة مستحيل، بل تتمسكان بقرب تحقيقهما للرقم، وهو ما تنفيه معطيات صلب الحركتين تبين انهما لم يبلغا بعد رقم 300 قائمة في أفضل السيناريوهات.
مقابل هذا التعنت في الإقرار بصعوبة تحقيق الهدف كانت أحزاب وجبهات سياسة أكثر واقعية من الحركتين وتوقفت عند حدود المستطاع بالنسبة لكل منهم، فالجبهة أعلنت أنها لن تترشح في كل الدوائر بل ستخوض الانتخابات بإستراتيجية مفادها تقديم قائمات انتخابية في عدد من البلديات، لم تضبطه بعد، ودعم قائمات مواطنية او الترشح صلبها.
الأمر مشابه لدى جبهة الأحزاب العشرة التي تناقش كإطلاق اسم «الاتحاد المدني» على نفسها، فهي أعلنت أنها ستتقدم في 50 دائرة بلدية بقائمات ائتلافية وستترك بقية الدوائر للأحزاب تقرر كيف تخوضها، بشكل منفرد او في إطار تحالفات ثنائية أو أكثر، ما يهم الجبهة هو أنها خفضت سقف هدفها.
لا يختلف الحال في الطرف الآخر من أحزاب المعارضة على غرار التيار الديمقراطي او حركة الشعب او حراك المواطنين، فجميعها تشترك في إقرارها باستحالة ترشحها في جميع الدوائر وأنها تدرس خيارات متاحة أمامها، وهي عدة.