الاحتجاجات الشعبية والطبقة السياسية: انقسام بين الإدانة والدعم، ولكل حزب مطامع ومخاوف

مع احتدام وتيرة الاحتجاجات الشعبية في مناطق مختلفة من تونس وتسجيل احداث عنف، لجأت الأحزاب إلى إعلان مواقفها مما يحدث،

وكل منها تحركه قراءة خاصة به، فهناك من يريد ان يحتوي الغضب المتصاعد وفي المقابل هناك من يريد ان يذكيه وان يصبح المتحدث باسمه. لقد تفرق القوم وغدت موافقهم متناقضة بين إدانة ودعم، بين وصف للمحتجين بـ«مثيري الشغب والعنف واللصوص» وبين وصفهم بـ «المحتجين المتظاهرين».
موجة الاحتجاجات الليلية تطور نسقها خلال اليومين الفارطين لتصل في الليلة الفاصلة بين الاثنين والثلاثاء الماضيين الى منعطف جديد بعد وفاة متظاهر نتيجة اختناقه بالغاز المسيل للدموع الذي استخدمته قوات الامن ضد المحتجين ومجموعات استغلت الوضع للقيام بعمليات نهب وتخريب.
تطور رافقه تتالي صدور مواقف الأحزاب يوم أمس، سواء في بياناتها أو في تصريحات قادتها. لتنقسم إلى فريقين، فريق رافض وآخر تبنى تقريبا ذات الخطاب مع اختلافات في تبويب العناصر التي قامت عليها مواقفه، خاصة ان تعلق الامر بحركتي نداء تونس والنهضة، فهما تنطلقان من ان الاحداث الاخيرة ليست احتجاجات بل عمليات نهب وتخريب، وان هذه العمليات يجب الحذر منها وتطبيق القانون عليها.

الحركتان اللتان فضتا تحالفهما نهاية الاسبوع الفارط من جانب واحد، وهو جانب نداء تونس، تتفقان في بياناتهما الرسمية التي ذيلت بتوقيع «زعيميهما» على ان بعض مناطق البلاد تشهد تطورا أمنيا خطيراً هو «التحركات والاحتجاجات» التي وصفها بيان النهضة بانها حادت عن «السلمية وصاحبتها اعتداءات ونهب وتخريب للممتلكات العامة والخاصة» كما نص بيان النهضة الممضى من طرف رئيسها راشد الغنوشي، وبالمثل نص بيان النداء الصادر عن مديره التنفيذي حافظ قائد السبسي على ان النداء يندد بـ«أعمال النهب والتخريب التي مست الممتلكات الخاصة والعامة واعتباره أن مثل هذه الممارسات الخارجة عن القانون لا تمت بصلة للاحتجاج السلمي والمدني...».
كلا الحزبين الحاكمين اعتبر ايضا ان التظاهر السلمي حق مكفول ومشروع للتونسيين، لكن في وضح النهار وليس في الليل، كما ان مطالب التنمية والشغل هي «مطالب مشروعة» تساندها الحركتان. اللتان اتفقتا ايضا على وجود «استغلال من بعض الأطراف السياسية» للحق المشروع لنشر الفوضى، أطراف تصفها النهضة بانها «يسراوية فوضوية» تحرض على الفوضى والتخريب والنهب.

كما أعلنت النهضة والنداء أنهما يتبنيان كل المطالب الشعبية المشروعة من أجل حماية المقدرة الشرائية للتونسيين وتحسين الوضع المعيشي الذي ترى حركة نداء تونس ان افضل حل لتحسينه يتم عبر «مؤتمر وطني للحوار الاقتصادي والاجتماعي».
في الجهة المقابلة اختارت احزاب اخرى، ابرزها الجيهة الشعبية والتيار الديمقراطي والحزب الجمهوري ان تكون مواقفهم داعمة للاحتجاجات ولمطالبها، لكن دون إغفال ادانة أعمال النهب والتخريب التي حملت مسؤوليتها للاطراف الحاكمة بل واتهامها بانها سعت الى جر الاحتجاجات لمربع العنف والتخريب.
لينتهي الأمر بهذه الأحزاب الى عقد لقاء مشترك مساء أمس، للتباحث حول إمكانيات التنسيق المشترك وتأطير الاحتجاجات الشعبية التي قالت الجبهة الشعبية أنها ستنزل للشارع لتقف في صفها وفي صف مطالبها إلى حين إسقاط قانون مالية 2018.

هذا القانون الذي هاجمته كتل المعارضة في البرلمان ، بل وكتل داعمة للحكومة من بينها كتلة مشروع تونس، التي اختارت ان تقف في منزلة بين المنزلتين، فهي تدعو لمراجعة قانون المالية بما يراعي الطبقات الفقيرة والمتوسطة، مع التشديد على ضرورة «حظر التجول» ليلا لمنع تكرار أعمال العنف والتخريب، حسب مقترح الأمين العام للحركة محسن مرزوق.
مواقف تناقضت لكن التقت في انها جميعا وليدة قراءة خاصة بكل حزب، قراءة تقوم على حساب الربح والخسارة في ظل التطورات الناجمة عن ثلاثة ايام من الاحتجاجات، فأحزاب الحكم ووثيقة قرطاج، اختار بعضها ان يقف في صف الاحتجاجات مع أخذه لجملة من الاحتياطات التي تقوم على عزل المحتجين عن الشارع وتعميم وصف التخريبيين عليهم مع ربط الفوضى بجهات محددة.

فالنداء والنهضة يدركان ان الوقوف في وجه القطار انتحار خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية، لكنهما يدركان ايضا ان استمرار الاحتجاجات واتساع رقعتها سيؤدي الى أزمة سياسية هما غير مستعدتين لها بعد ان أنهكتهما الأزمات الأخيرة، لذلك يحرصان على تجنبها بل وعلى الاستفادة منها بإنهاك خصوم سياسيين. فالنداء أساسا يدرك أن أي تطورات في اتجاه التصعيد وتكرار سيناريو 2016 قد يكون فاتحة عملية انهياره الكبرى، وهو ما لا ترغب فيه حركة النهضة حاليا لعدم فقدان شريك تحتمي به في ظل التقلبات.

ما تعلنه الحركتان ويعبر بوضوح عن مخاوفهما، هو ان الفوضى تعني المجهول وتأزم الوضع الاقتصادي والأمني، وهذا المجهول هو من وجهة نظرهما «قوى متطرفة» سواء اسلامية او يسارية او قوى شعبوية.

مقابل مراهنة النهضة والنداء على تجاوز الاحداث والخروج منها اقوى، تراهن المعارضة على تسريع نسق الاحداث وتأطيرها، فهي ان كللت بالنجاح وبلغت مرحلة اسقاط قانون مالية 2018 او الدفع الى مراجعته ستكون كمن دق اخر اسفين في مركب الحكومة، وان لم تصل التطورات الى هذه المرحلة ستغادر مع تحقيق نقاط اضافية في اذهان الشارع.
فالانتخابات البلدية التي لم يعد يفصل عنها اكثر من اربعة اشهر، ستكون فرصة لقياس هذا الانتشار الذي ترغب المعارضة في تحقيقه بالالتحام بالشارع وتبني مطالبه، لذلك سارعت لتعلن عن انها ستنزل اليه، في 14 جانفي القادم على غرار الجبهة الشعبية، لتجاوز غيابها عنه، فالاحتجاجات الاخيرة في مختلف المناطق لم تكن مؤطرة او منظمة من قبل قوى سياسية، حتى ان رغب البعض في الاستفادة منها وتقديم نفسه كمتحدث باسمها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115