مع النهضة قرروا منذ يومين تصنيف النهضة كـ«خصم» و«منافس» سياسي وانتخابي، يتمايزون عنه بالمشروع المجتمعي وبالحداثة، خصومة يسوق لها النداء اليوم بخطة اتصالية تعيد إحياء خطاب قديم يقول بان النظام السياسي ونتائج الانتخابات أجبرت الحزب على ما لا يريده.
يومان عن صدور قراره بمراجعة علاقته بحركة النهضة وحصرها في ما تتضمنه وثيقة قرطاج وأطرها، كانا كافيين لنداء تونس ليضع خطته الاتصالية موضع تنفيذ، فقيادة الصف الأول للحركة أطلت أمس لتسوق القرار الذي اتخذته الندوة السنوية لحركتهم يوم السبت الفارط.
تسوق لم يخرج عما رسمه البيان من خطوط عريضة، التذكير بسبب التحالف مع النهضة بعد الانتخابات التشريعية 2014، التذكير بان النداء ضحى بصفه ومصلحته من اجل البلاد، وأخيرا التشديد على أن ما جمع الطرفين ليس تحالفا وإنما شراكة حكم أسيئ فهمها من أبناء الحزب وأنصاره كما معارضيه. وقرار الندوة الوطنية يتنزل في اطار عملية توضيح للعلاقة وإعادتها إلى أصلها.
والأصل ان حركة نداء تونس وعلى لسان من خرج ليسوق لتصنيف النهضة كخصم سياسي هو خصم لحركة النهضة تتنافس معها على من يحكم تونس، لكن هذا لم يتحقق للنداء لان النظام السياسي ونتائج انتخابات أكتوبر 2014 لم تمنحه الأغلبية ليحكم ببرامجه وأناسه، بل فرضت عليه ان يدخل في شراكة حكم مع النهضة وحزبين آخرين.
تذكير بالقديم هو النقطة المشتركة بين من تحدث من قيادات نداء تونس في مختلف وسائل الإعلام ومنهم وسام السعيدي، الذي صرح لـ«المغرب» بان حركته كانت مجبرة على التوافق مع النهضة في الحكم، وان هذا التوافق ليس تحالفا كما ظنه البعض بعد ان اختلط عليه الأمر وبات غير واضح بسبب التقارب والتنسيق في تولي شؤون الحكم.
فالقيادي الملتحق بنداء تونس في 2017 يجد أريحية في ان يكون الوجه الأول المسوق لقرار نداء تونس، فهو لم يسبق له ان تورط في تسويق التقارب والتحالف بين النداء والنهضة، لذلك يجد نفسه قادرا على اعادة تصنيف العلاقة السابقة بينهما ويضعها في خانة «الحكم» المشترك، فهي ليست تحالفا لا تكتيكيا ولا استراتيجيا، بل تأقلم مع مقتضيات المرحلة التي فرضت الحكم مع النهضة.
هنا يقر وسام السعيدي ان خيار الذهاب الى احداث تنسيقية هو الذي تسبب في اللخبطة والخلط سواء في صفوف حزبه او انصاره وناخبيه، فتوجه النداء والنهضة مع الوطني الحر الى احداث تنسيقية مشتركة ولد إرباكا في اذهان الجميع وجعلهم يظنون ان هناك تحالفا، وهو غير موجود. لذلك يشدد القيادي بالنداء على ان تقييمهم تعلق بخيارات الحزب وكيف عبر عنها واختار بعد ان ادرك وجود لبس وارتباك ان يوضحه بقراره القائم على تصنيف النهضة منافسا سياسيا يسعى النداء لهزمه في كل الاستحقاقات الانتخابية كما انه يحمل مشروعا مناقضا لمشروع النهضة.
تصنيف جديد جعل من النداء ينهى كل اشكال التنسيق والتقارب مع حركة النهضة خارج وثيقة قرطاج واطرها، اي انه وبصراحة كما اشار السعيدي الغى مشروع تركيز تنسيقية معها وكل ما يتبعها من اجراءات وتعاون.
خطوة الى الوراء يعتبرها النداء ضرورية لشرح الصورة بدقة لانصاره وناخبيه، فهو وكما تقتضي الخطة الاتصالية، لم يكن حليفا للنهضة ولم يكونا قريبين من بعضهما بل كان مجبرا على الحكم معها وهو ما فرض عليه لاحقا محاولة ادارة شؤون الحكم بالتنسيق معها، ولان هذا ولد ارباكا وقع التراجع عنه.
هكذا يسوق النداء لخياره الجديد الذي لا يقوم على صدام مع النهضة او احياء الاستقطاب الثنائي، بل يقوم على التمايز السياسي والخطابي عنها وابراز مكامن الاختلاف بينهما، وهذا في اطار خطة اصلاحية تنطلق بتقييم الخيارات وتتواصل الى تعديل في الهيكلة، او هكذا تقدم الحركة عملية تفويضها لاكثر من 29 قياديا صلبها بتولي ملفات او الاشراف على الانتخابات البلدية.
انتخابات يراهن النداء على ان يكون استعاد قبل توجه الناخبين للصناديق لصورته القديمة، حزب التوازن السياسي، الحزب الوسطي العصري الحداثي المدافع عن مشروع مجتمعي مختلف عما تتبناه النهضة، التي يشدد السعيدي ايضا على انهم لن يخوضوا معها صراع الهوية او صراعات الاستقطاب بل سيركز الحزب على الدفاع عن تصوراته ورؤيته من منطلق ارضيته السياسية.
هذه الارضية التي يدافع عنها السعيدي وقيادات اخرى لم تكن مثله ان تعلق الامر بعدم التورط بالدفاع عن التقارب مع النهضة او التسويق له، قيادات كانت قبل اقل من شهر تدافع عن خيار التقارب الاستراتيجي مع النهضة ضمن تصور مفاده ان الصراع انتهى وان التوافق يجب ان يكون شاملا، قبل نتائج الانتخابات الجزئية بالمانيا.
فنكسة الانتخابات جعلت النداء يبحث عبر معادلة قوامها المسك بكل شي الى عدم الصدام مع النهضة لتجنب تداعيات هذا على الاستقرار السياسي لكن مع التمايز عنها لتوفير شروط النجاح الانتخابي، خيار تنظر اليه النهضة باحتراز.
فالحركة التي تخلى عنها حليفها في اول ازمة فعلية لم تتخذ بعد موقفا رسميا مما اعلنه النداء، لتترك الامر لقادتها ليقدموا موقفا خاصا غير ملزم للحركة، على غرار موقف علي العريض، وعماد الخميري الناطق الرسمي باسمها الذي ذهب الى القول صراحة ان حسابات حزبية سبب الخيار.
هذه الحسابات يتجنب سامي الطريقي ان يخوض فيها فهو يعتبر ان موقف النداء يلزم النداء لا غيره، وانهم في الحركة لم يفهموا بعد سبب الربط بين المشروع المجتمعي والانتخابات المحلية التي هي في الاساس انتخابات خدمات وقرب. ليختم بالقول ان نتائج انتخابات المانيا اثرت عليهم وكانت سبب هذا الموقف.