بعد فشل الحزب في الانتخابات الجزئية بألمانيا، لكن اللقاء وما سبقه انتهى الى الإبقاء على الوضع الراهن، فلا مراجعة للصف القيادي ولا تمايز قطعيا مع حركة النهضة، ليقتصر الأمر على الحسم إلى ما بعد الانتخابات البلدية في ماي القادم. فان فاز النداء سيفرض رؤيته للحكومة وان خسر فالمراجعة التامة.
اقل من 6 ساعات كانت كافية للندائين لتحديد خياراتهم السياسية خلال الأشهر الأربعة القادمة، هذه الساعات كانت مدة انعقاد الندوة السنوية لحركة نداء تونس، يوم أمس، بعد أن سبق وأجلت في ديسمبر الفارط واختزلت أشغالها الى يوم واحد. ندوة جاءت بعد ساعات عن انتهاء لقاء رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بالممضين على وثيقة قرطاج الجمعة الفارط لتقييم المشهد العام وحث الأحزاب على الاستعداد للانتخابات البلدية المزمع عقدها في ماي القادم.
هذا المحور الاخير كان هو مركز اشغال الندوة ومن شارك فيها من اعضاء المكتب التنفيذي الموسع وكتلة الحركة بالبرلمان واعضاء الحكومة، الذين انتهو جميعا لرسم خيارات الحركة في الاستحاقاق الانتخابي، فهي ستخوضها بقائماتها الخاصة مع فتح المجال للشخصيات المحلية والجهوية للالتحاق بها. ومن اجل هذا كلفت الحركة 24 قياديا بها بالاشراف على استعدادات الجهات ومد تقرير الى رئيس لجنة الانتخابات فوزي اللومي، للوقوف على كل التطورات المتعلقة بضبط القائمات الانتخابية وجاهزيتها، كما صرح عبد العزيز القطي القيادي بالحزب.
ليعبر النداء في بيان الندوة الوطنية عن هذه النقطة والتشديد عليها في فقرتين منفصلتين، جاءت الاولى لتعلن تقدم الحركة للانتخابات البلدية بقائماتها الحزبية التي ستدافع عن مشروعها الوطني العصري المدني في منافسة رئيسية للمشروع الذي تمثله حركة النهضة، لهذا فالان الالتفاف على الحركة ضروري لتحقيق الانتصار في الانتخابات وضمن بقاء المشروع الوطني العصري الذي بنته دولة الاستقلال.
نقطة عبرت فيها الحركة عن تموقعها الجديد من حركة النهضة، فحليفها السابق، النهضة، بات اليوم يحمل مشروعا يهدد ما حققته دولة الاستقلال، لكن هذا دون ان يعني ان النداء يعتبر النهضة عدوها ولا قطع تجربة الحكم المشترك. فالنداء لدى حديثه عن عملية تقييمه لخطه السياسي خلال السنتين والنصف، «غلب المصلحة العليا للبلاد على حساب المصلحة الحزبية» بخوضه تجربة الحكم المشترك مع النهضة، التي لمح الى انها خصم، بعد فوزه في انتخابات أكتوبر 2014 بهدف خلق استقرار الدولة والذي دفعه مرة اخرى الى دعم اتفاق قرطاج الذي شارك فيه «وهو الفائز في الانتخابات مع لفيف واسع من الأحزاب السياسية بغض النظر عن مدى تمثيليتها وحجمها البرلماني والسياسي» كما ورد في البيان.
النداء وهو يقيم تجربته مع النهضة حرص على ان يدرج كل الأحزاب في الحكم معا بل كان اشد حدة معها، لتجنب التصادم الصريح مع الحركة التي تحالف معها خلال سنتين ونصف وأسسا معا تنسيقية ضمت الوطني الحر قبل أن يتنصل النداء منها اثر نتائج الانتخابات التشريعية بألمانيا كما تنصل من تحديد المسؤولين عن هذا الخيار السياسي.
فعوضا عن تحمل مسؤولية الخيار السياسي القائل بالتحالف الصريح مع حركة النهضة وتجاوز الاختلافات بينهما، اتجه النداء في ندوته الى توجيه تهم لمن اعتبرهم «سيئي النوايا» الذين استهدفوا قوة النداء ووحدة صفوفه التي ضحت بها قادة الحركة الحاليين لضمان استقرار البلاد قبل ان يعلنوا أمس عن إعادة تصنيفهم لحركة النهضة «كمنافس» سياسي يختلفون معها في المشروع المجتمعي.
منافس قالت مصادر من اللقاء ان التعامل معه سيكون حصرا في ما حددته «وثيقة قرطاج» وأطرها وان التقارب السابق مع النهضة زال وأصبح لاغيا، لكن دون الدخول في صدام صريح مع النهضة او فض التوافق. فما لا يعلنه النداء في بياناته عبر عنه في قراءته وتوقعاته السياسية على لسان مديره التنفيذي حافظ قائد السبسي.
فنجل الرئيس دفع الحزب الى تأجيل عمليات الحسم، اعادة هيكلة والذهاب الى مؤتمر انتخابي عاجل، الى حين الانتهاء من الانتخابات البلدية، التي يثق الحزب، مرة اخرى، انه سيفوز بها، فخسارة ألمانيا كانت ظرفية سببها ضعف الرهان الانتخابي وعدم تحمس الجالية هناك للمشاركة.ليس هذا فقط، بل ان النداء وبعد تلك الانتخابات استعاد توازنه وسيتجه بجدية للفوز بالانتخابات البلدية، حيث يعتبر الحزب ان حلوله في المرتبة الثانية «هزيمة».
ولتجنب هذه الهزيمة، وقع تجاهل مبادرة تنسب لرئاسة الجمهورية مفادها، تولي سلمى الرقيق الموقع الاول في الحزب الى حين المؤتمر، واستبعاد عدد من الملتحقين الجدد بالحزب، وفتح قنوات اتصال بالغاضبين لإقناعهم بالعودة.
مبادرة اجل النظر فيها الى ما بعد الانتخابات البلدية، التي يراهن قائد السبسي الابن عليها لتكسبه شرعية وحصانة جديدة، بل ويراهن على انه ان حققت حركته المركز الاول وكانت النهضة ثانيا، فانهما سويا سيتجهان الى فرض تعديل الحكومة بما يحترم الأوزان الانتخابية، بل المح كما تشير مصادر مقربة منه الى نيته الذهاب ابعد.
رهانات جعلت نجل الرئيس يضع كل ثقله لحصر النقاش امس على نقطة الانتخابات البلدية وبدرجة اقل على علاقة النداء بالنهضة، التي انتهت عملية تقييمها الى انها ستستمر لكن مع تغيير في الخطاب الرسمي للحزب وابراز الاختلافات وخطر «النهضة» ومشروعها على تونس.تناقض بين ما يعلن عنه وما يطبخ في الكواليس، فالنهضة التي يريد النداء ان يسوق الى «تنافسهم» هي ذاتها التي يراهن على التحالف معها بعد الانتخابات البلدية لفرض حكومة «ائتلافية» على الجميع.