في ظل ضبابية تحكمه بعد انهيار كل المؤشرات السابقة التي بنيت عليها سيناريوهات إعادة تشكيل المشهد في ظل توتر الدعوات لانتخابات تشريعية ومبكرة.
اطل كل من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، على التونسيين في اليومين الفارطين، لتوجيه رسائل واضحة للأحزاب وللتونسيين، الأول اختار ان يضمنها في كلمة تهنئته للشعب التونسي بالسنة الإدارية الجديدة، والثاني اختار ان يكون ذلك في حوار تلفزي بثته القناة الوطنية الاولى، في برنامج «قهوة عربي».
كلمتان كانت الاولى لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ونشرت على صفحة رئاسة الجمهورية بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك جاء فيها ان «سنة 2018 ستكون سنة فارقة لأنها ستشهد تنظيم الانتخابات البلدية» وهو ما يلزم الأحزاب «توفير مناخ ملائم لإنجاحها». وبالأساس ان « تُؤخذ العملية الانتخابية مأخذ الجدّ» وان يقع «تهيئة اسباب النجاح» فالانتخابات رهان كبير بل هي امر هام وحيوي وفق ما اشار اليه بقوله «القضية موش بسيطة» قبل ان يوضح أكثر بالاستعانة بالمثل الشعبي «الضرب باش يولّي في العتق ماعادش في الورق».
هذه الرسالة التي كانت بالأساس موجهة إلى الأحزاب، وتحديدا إلى حركة نداء تونس المعنية الأبرز، فالرئيس حذر من ان الانتخابات البلدية ورهاناتها اكبر من التشريعية والرئاسية 2014، وضمنيا اكبر واهم من الانتخابات الجزئية بالمانيا، لذلك فان نتائجها ستكون محددة وفاصلة في المشهد السياسي القادم.
تحذيرات الرئيس التي تقوم على ان ما مثلته «نكسة» ألمانيا سيكون هينا مقارنة بنكسة الانتخابات البلدية، يفتح الباب أمام سيناريوهات عدة لتداعيات النتائج على الاستقرار السياسي في تونس، خاصة على حركة نداء تونس، التي ستجد نفسها أمام فرضيات متعددة سواء في حال النجاح وتحقيق نتيجة تتجاوز نسبة الـ20 % او الفشل وتحقيق نسبة اقل من هذا.
أهمية الرهان وضرورة تحقيق نتائج أيجابية في الانتخابات جعلت الرئيس يؤكد في كلمته على التحذير من ان الفشل سيكون باهظ الثمن « الضرب في العتق»، على الحزب الذي سقطت كل حساباته بعد فشله في انتخابات ألمانيا وتمكن الشك من قياداته التي كانت قبل ذلك تعتبر ان النصر الانتخابي مضمون وان بخسارة نقطة او اثنتين من نسب 2014 .
اليوم وقد دب هاجس الخسارة في صفوف قيادات نداء تونس التي تبحث عن مخرج لها، وتنتظر ان يرشدها رئيس الجمهورية اليه، تنظر الى الانتخابات البلدية على انها مفصلية للحزب برمته، لكن بربط نجاحها هي وحركة النهضة في تحقيق نتائج ايجابية تتجاوز 50 % من الأصوات، اذ هذا سيمكنها من التحرك بأريحية في استكمال إستراتيجية التقارب مع النهضة، باعتبار ان الشعب صوت لصالح هذا الخيار. والعكس قد يحدث ان فشلت الحركتان عن تحقيق هذه النسبة، بل سيزداد الوضع تأزما ان جاء النداء في المرتبة الثالثة وما تحتها. هذا ان تم سيفتح الباب امام «المجهول» الذي قد ينطلق من انهيار الحزب الفائز في انتخابات 2014 مما سيولد فراغا وازمة سياسية قد تسرع بانجاز انتخابات مبكرة.
سيناريوهات استقرار الحكومة
هاجس الفشل الانتخابي أعاد خلط الأوراق والمشهد بصفة عامة، حتى وان لم يكن الأمر جليا، فقد منح أريحية لحكومة الشاهد وقلل من الضغوط عليها و«التهديد بإسقاطها» لتدخل السنة الجديدة بهامش تحرك أوسع سيسمح لها ان استطاعت من إدارة الملف الاقتصادي والاجتماعي لتجنب أية توترات قد تعجل برحيلها كما حدث مع حكومة الصيد في 2016.
سيناريو الإطاحة بالحكومة عبر سحب الثقة منها أجهض قبل الانتخابات الجزئية ولا يبدو ان الأحزاب الحاكمة وبالأساس النهضة والنداء قد تعملان خلال الأشهر الأربعة القادمة على إسقاطها بسبب انشغالها بالاستعداد للانتخابات في ظل صعوبات عديدة تواجهها كل حركة لاستكمال قائماتها الانتخابية الـ350، كما سيكون مستبعدا استئناف المحاولة السابقة، في حالة النجاح في الانتخابات او الفشل.
ففي الحالتين ستستقبل الحكومة السابع من ماي القادم بأريحية اكبر، إلا في فرضية وحيدة، وهي فوز الحركتين بالانتخابات البلدية مع إعلان رئيس الجمهورية عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة مما سيدفع المدير التنفيذي للنداء حافظ قائد السبسي الى العمل على إسقاط الحكومة لاقصاء الشاهد من المنافسة التي سيكون السبسي الابن أو راشد الغنوشي معنيين بها بشكل مباشر .
لكن هذا السيناريو يظل صعب التحقيق وفق المعطيات الراهنة، التي تتضمن اعلان الشاهد في حواره التلفزي انه سيدعم رئيس الجمهورية ان قرر الترشح لعهدة رئاسية ثانية، وذلك في سياق نفيه للتنافس بينه وبين الرئيس الذي جعله بمثابة الأب الروحي له. وهي مناورة يريد من خلالها الشاهد ضمان دعم الباجي قائد السبسي التام له في بقية العهدة الرئاسية الحالية.
السيناريو الثاني الذي قد يعصف بحكومة الشاهد هو تعثرها خلال الأشهر الأربعة القادمة في تحقيق اي انجاز اقتصادي وتنموي في ظل مناخ اجتماعي محتقن وضبابي. ففي صورة قيام احتجاجات شعبية في مناطق مختلفة من البلاد وعلى امتداد أسابيع هذا سيؤدي إلى الإطاحة بالحكومة التي ستفقد في الأثناء دعم عنصرين هامين في المعادلة رئاسة الجمهورية والاتحاد العام التونسي للشغل. وبالنسبة للأخير فقد بات يلوح بان دعمه بات محل مراجعة (انظر مقال دنيا حفصة) بل وتكررت تلميحاته بان الانتخابات التشريعية المبكرة حل قد يلجأ اليه ان استمر تفاقم الأزمة.
كما ان الوضع الاجتماعي والاقتصادي وكيفية إدارته من قبل حكومة الشاهد سيكون محددا في كيفية وصولها الى الموعد الانتخابي، وكيفية مغادرتها لهذا الاستحقاق، حيث سيكون الملفان عنصرين هامين في تحديد إستراتجية الماسكين بزمام الأمور في الفترة القادمة التي تظل غير واضحة المعالم بسبب ضبابية المشهد الراهن.