لا تكون مطلقا بالصدفة أو على عكس اتجاه اللعب ،النتائج هي دوما تابعة لفاعلية الأجهزة التي تدير الملفات وتهتم بكل الجزئيات ولا تتساهل أبدا في المحاسبة على التقصير وتصلح باستمرار مواقع الخلل كلما كانت في بداياتها الأولى..
ما نلاحظه بكل أسف في بلادنا هو كثرة الأخطاء وعدم دقّة التقييمات وسوء إدارة بعض الملفات الهامة أو الجزئية والنتيجة تلعثم في الأداء وأحيانا اضطراب في المواقف علاوة على عدم الاتعاظ من الأخطاء..
في ملف «القائمة السوداء» كنا هواة وغير مسؤولين إلى حد النخاع إذ تركنا ملفا بهذه الحساسية دون التناول السياسي الضروري على امتداد أكثر من سنة ونصف السنة..ثم عندما حصلت الطامة الكبرى قمنا نفخر هزؤا ونحاكي صولة الأسد بقول «مصدر مسؤول» لم يكشف عن هويته : «لن نرضخ لاملاءات الاتحاد الأوروبي»!! نعم هكذا ثم أصبحنا نسابق الرياح العواتي علنا نقنع شريكنا الأهم ووزراء ماليته الثمانية والعشرين بحذف اسم بلادنا من هذه القائمة المشينة..
في الأزمة الأخيرة مع الإمارات شاهدنا الجيد والرديء في نفس الوقت،فتصريحات وزير الخارجية – رغم تأخرها – كانت جلها موفقة ووضعت بوضوح الإصبع على الداء وعبرت عن رفض تونس المطلق لهذا التصرف المهين المتمثل في منع المرأة التونسية بإطلاق من ركوب طائرات الشركة الإماراتية ولكن تصريحات الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية كانت سيئة للغاية فأضرت بالمصلحة الوطنية وبدت وكأنها تسعى لإيجاد المبررات لقرار مدان ومرفوض بكل المقاييس..بل أسوأ ما في الأمر أنه تم استعمال تصريحاتها كسلاح ضد البلاد وضد نسائها..والحال انه من الضروري أن تتكلم الدولة في مسألة بمثل هذه الخطورة بصوت واحد لا أن تتعدد الأصوات دون تنسيق وفي اضطراب واضح ومضر..
وتواصلت رداءة إدارة الملفات التقنية ذات الأبعاد السياسية والديبلوماسية الواضحة في اللخبطة البروتوكولية التي جدت في قصر الجمهورية بالذات إبان لقاء كان من المفروض ان يجمع الرئيس التركي مع بعض النواب يتقدمهم رئيس المجلس ذاته..فبقدرة قادر تحول الرئيس التركي من مدعو من قبل مجلس النواب الشعب إلى داع لهم ويحصل ذلك وسط قصر الجمهورية التونسية لا داخل السفارة التركية آو إقامة السفير التركي ثم يتولى حراس أردوغان بأنفسهم تأمين القاعة داخل مقر السيادة التونسية !! ويطلب من النواب الخروج من القاعدة لهذا الغرض !! كيف يمكن أن يحصل هذا !! وفي أي عرف ديبلوماسي حصل ما حصل ؟ !
هذا دون الحديث عن رفع شعار «رابعة» من قبل الرئيس التركي وهو بجوار الرئيس التونسي رغم «التفسيرات» بأنه يرمز إلى رباعية تركية خاصة ، ولكنه شعار حزبي على كل حال (الشعب واحد وعلم واحد وجيش واحد ووطن واحد) رفعه اردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده في 2016..وقد حاول الباجي قائد السبسي الرد عليه في كلمته الافتتاحية ولكن لا احد فهم المقصود إلا إذا ما أولنا «أربعة» بـ«رابعة» وفق شراح الأقوال الرئاسية المعتمدين ..
نحن بصدد حصد نتائج سياسة جديدة كانت موجودة بمقادير قبل الثورة ولكنها تعمقت بعدها وهي التعيينات بالولاءات لشخصيات كفاءتهم لا تتناغم البتة مع مواقعهم .
نحن نعيش أزمة حوكمة فعلية تظهر جلية كلما كانت البلاد بحاجة إلى تصرف حكيم في ملف تقني له أبعاد رمزية وسياسية هامة ،والأسوأ من كل ذلك أننا لا نتعظ بأخطائنا المتكررة وكأننا إزاء فريق حكم بعضه من الهواة دفعت بهم صدف الحياة والسياسة إلى مواقع حساسة وإستراتيجية في طبخ القرار وصنعه..
يبدو أننا لم نفهم بعد في هذه البلاد أن قيمة صاحب القرار الأول لا تكمن في شخصه او في «الكاريزما» التي يتمتع بها بل في قدرة الفريق العامل معه على مختلف المستويات من الإعداد الجيد للملفات والاحتياط لكل الانزلاقات والسهر على الانجاز الجيد لكل الجزئيات ..
تلك هي عواقب السياسة الغنائمية والدولة غير المحايدة..