سيناريوهات العلاقة بين النداء والنهضة: تزويق الخلافات وإدارتها لتجنب القطيعة الكلية

هدأت الأمور قليلا في أروقة مقر نداء تونس وكواليسها، بعد صدمة نتائج الانتخابات الجزئية بألمانيا التي خسرها الحزب،

ليتضح المشهد وما يتطلبه من فرضيات، يبحث قادة الحركة عن أفضلها في ظل تناقضات عديدة، أبرزها غضب القاعدة الانتخابية إن استمر التحالف واستحالة الحكم دون النهضة ان قطعت العلاقة.

مع حلول اليوم الخامس لصدور نتائج الانتخابات الجزئية بألمانيا، انخفض منسوب التوتر في الخطابات الرسمية لحركتي نداء تونس والنهضة، فمن اتهامات بالخيانة والتلويح بمراجعة العلاقة برمتها، الى الاقتصار على القول بمراجعة صيغ العلاقة.
تطور في الخطاب يعكس استفاقة قادة الحزب من «تخميرة» غضب اجتاحتهم عقب النتائج التي أربكتهم وولدت هواجس الفشل الانتخابي في الاستحقاقات القادمة، بعد ان كانت نشوة الانتصار تهيمن على عقلية القادة في الحركتين ذات الثقل. وخاصة حركة نداء تونس التي تبنى قادتها في بيان رسمي خطابا تصعيديا يعلن امكانية القطيعة مع حركة النهضة.

خطاب ما بعد الصدمة عكس تخبطا ميز الفعل السياسي في اليومين الأولين لصدور النتائج، قبل ان يخيم الصمت على الجميع وهم يراجعون خياراتهم المتاحة، بعد إعلان القيام بمراجعة علاقتهم مع النهضة، علاقة اتضح للنداء انه لن يكون بمقدوره قطعها بيسر دون خسائر كبرى.
وقائع تجعل الحزب الفائز بانتخابات 2014 أمام سيناريوهات محدودة، اما الذهاب الى الاقصى وقطع العلاقة بحركة النهضة كليا، او الابقاء على التقارب قائما وتعميق نفور خزانه الانتخابي منه.

مخاطر قطع العلاقة بالنهضة
هذه الخطوط العريضة لما يعتبر بالحل الأقصى سواء ابقاء او قطع العلاقة بحركة النهضة لكل منهما ثمنه، الذي لن تقدر حركة نداء تونس على دفعه، في السيناريو الاول وهو اتخاذ هياكل الحزب التي ستجتمع يومي 24و25 ديسمبر الجاري، قرار قطع العلاقة بحركة النهضة واعلان عن عودة الاستقطاب الثنائي.
سيناريو ان اتخذ فانه بهدف ارضاء ناخبي الحركة بعد ان تحقق لدى النداء ان تقاربه مع حركة النهضة وبروزهما كحزبين يمران بمرحلة وئام، يلحق بها ضررا جسيما، كما حدث في انتخابات المانيا، لذلك فعليها ان تتجه لخزانها الانتخابي الذي اختارها في 2014 على قاعدة انها تمثل «نقيض النهضة».
محاولة الإرضاء هذه غير مضمونة العواقب، فالقيادة الحالية لنداء تونس تدرك انها وخلال السنتين الفارطتين نحتت لنفسها صورة لدى الناخب قوامها الدفاع عن التحالف مع حركة النهضة وتبريره باي حجة ممكنة. صورة ترسخت اكثر مع تتالي أزمات النداء الداخلية وانشقاقاته. ولكسر هذه الصورة سيكون على الحزب الدفع بقيادات جديدة للصف الاول وهو ما يدرك الجميع استحالته، فصراع الزعامات انتهى بالحزب الى وضعه الحالي، اي ارتهانه بيد المدير التنفيذي والمقربين منه، وهؤلاء لا احد منهم يستطيع التقدم كزعيم جديد.

خطر عدم إقناع الناخبين بالذهاب مرة أخرى للصندوق لاختيار نداء تونس، يتعزز بان النداء ينافس «نفسه» اي حركة مشروع تونس بالأساس، التي انشقت عنه بسبب التقارب وباتت ترفع ذات خطاب 2014 الذي يستميل جزءا هاما من خزان النداء الانتخابي.
لكن ليس هذا ما قد يكون الحائل الوحيد دون الذهاب الى قطع العلاقات مع النهضة واعلان عودة «الحرب» بينهما، بل يقين قادة النداء بان قيامهم بهذه الخطوة سيكون اعلانا عن انطلاق مسار انتخابات تشريعية مبكرة، فالحزب الفائز في انتخابات 2014 لن يكون قادرا على توفير اغلبية حاكمة.
فالنداء في 2014 وهو يمتلك اكبر كتلة برلمانية قاربت الـ90 وله علاقات جيدة بكل من الجبهة الشعبية،15 نائبا، والاتحاد الوطني الحر16، وافاق تونس 8، لم يكن متحمسا للذهاب الى الحكم دون حركة النهضة، وهو ما يجعل إقدامه على الذهاب الى هذا الخيار الان اصعب في ظل تفكك كتلته البرلمانية التي باتت 56 نائبا، وانفضاض بقية الأحزاب والكتل عنه.

بشكل اكثر وضوحا، لن يتمكن النداء من توفير اغلبية تسمح له بالحكم دون تحالف مع النهضة، وهذا يعنى استحالة تشكيل اغلبية برلمانية مما سيولد ازمة سياسية لن يكون لها من حل غير حل رئيس الجهمورية لمجلس نواب الشعب والدعوة الى انتخابات تشريعية مبكرة. فرضية ترعب النداء أكثر من غيرها، فهو يخشى ان يذهب الى الانتخابات مباشرة بعد صدمة ألمانيا.

النهضة مقابل الخزان الانتخابي
عواقب هذه الفرضية تجعل من النداء يفكر في الفرضية الثانية، وهي الابقاء على التقارب مع حركة النهضة قائما، لكن هذا ايضا له ثمنه الانتخابي، ولم يعد يفصل عن الانتخابات البلدية غير أسابيع، لن تكون كافية للحركة لمناورة وتجييش الشارع لصالحها.
كما ان الخطر في هذه الفرضية هي تفاقم حالة الخوف من خسارة الانتخابات لدى الكوادر الوسطى للحزب، مما سيؤدي ببعضها إلى الانفصال والبحث عن بديل أخر، وهذا ان تم سيكون ايذانا بنهاية الحركة فعليا، فهي لاتزال قائمة بفضل ولاء الوجاهات الجهوية للقيادة الحالية وبشكل ادق الى حظوظ الحزب بالبقاء في الحكم بعد 2019.
هذان السيناريوهان، يجعلان حركتي نداء تونس والنهضة معا يبحثان عن مخرج يقي كليهما الخسارة لكن دون القطيعة او التحالف، وهو ما يبحث عنه النداء كما شدد القيادي صلبه خالد شوكات في تصريح لـ«المغرب» عن ان حزبه يبحث عن صيغ جديدة للتوافق مع النهضة.

شوكات يعبر عن فكرة قوامها أن التوافق هو ملك لرئيس الدولة اذ هو من بادر بوضعه محل تطبيق لذلك هو الوحيد القادر على إعلان نهايته، وحاليا رئاسة الجمهورية لا تتجه إلى هذا الخيار وفق ما توفر من معطيات لـ«المغرب»، ويبدو أن الرئيس الباجي قائد السبسي عبر عن هذا لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في مكالمة جمعتهما.
مضمون هذه المكالمة جعل من قيادات النداء تعلن ان القصد من مراجعة شجاعة لعلاقتها بالنهضة هو مراجعة صيغ وشكل هذه العلاقة، هل تكون تنافسا ام شراكة كما يوضح خالد شوكات، الذي اكد ان الخيار لم يتخذ بعد في انتظار اجتماع هياكل الحزب لتقرر.

ما يعلنه شوكات هو ملامح لسيناريو ثالث، يأتي بين منزلتين، فلا هو إعلان حرب على حركة النهضة والعودة الى ما قبل 2014 ولا هو البقاء في ذات الوضع الحالي، إنما تنافس محدود يقع التحكم فيه. هذا السيناريو يطرح عدة أسئلة عن حدوده والشكل الذي سيتخذه، طالما انه لن يكون قطيعة وعودة الى الصفر ولا الحفاظ على العلاقات في وضعها الحالي الذي ولد الازمة.

عدم وضوح أركان هذه الفرضية في أذهان الندائيين، يجعلهم غير قادرين على تحديد أين سينحصر التنافس في الحكم ام المجلس او الانتخابات البلدية، وهل يمكن ان يدار تنافس انتخابي في ظل توافق حكم وكيف سيقنع هذا ناخبي الحزب وهم رافضون لكل أشكال التقارب.
أزمة تطارد النداء حتى في أفضل السيناريوهات الذي يقوم على إبراز الخلافات والتمايز بينه وبين النهضة اي تسويق صورة مفادها انه لايزال يمثل «نقيض النهضة» والضامن للانتقال الديمقراطي مع تقليل من تداعيات الشراكة في الحكم وتقديمها على أنها أمر مفروض عليه بحكم الواقع السياسي لتونس، كما فعل في بداية التحالف.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115