يوم أمس التي لم تخف خوف النداء من تكرار «الفشل الانتخابي» في الاستحقاقات القادمة.
لا ينشغل القائمون على حركة نداء تونس اليوم إلا بما حملته الانتخابات التشريعية الجزئية بألمانيا من تطورات غير سارة لهم، خسارة مرشحهم وفوز من يعتبرونه «فوضوي»، وهو التصنيف الذي يطلقونه على ياسين العياري الفائز بمقعد ألمانيا.
النداء في تقييمه لما حدث في ألمانيا عكس حالة الارتباك التي أصابته وحالة الخوف، فهو ورغم إقراره بان نسب المشاركة ضعيفة إلا انه لا يبحث فعليا عن أسبابها، بل عن ايجابيات تعفي من احراج الرد، على غرار اعتباره ان «هرسلة» النداء ينجم عنها خدمة «القوى الفوضوية المتطرفة» في تلميح إلى العياري لكن القصد حراك تونس الإرادة وما تفرع عن حزب المؤتمر من اجل الجمهورية.
النهضة مسؤولة
النداء لم يقتصر تهربه من تحمل المسؤولية عند هذا الحد، بل ذهب الى ابعد من ذلك بان اتهم قادته ومنهم سفيان طوبال في تصريح لـ«المغرب» حركة النهضة بالتصويت لصالح ياسين العياري، ليشدد طوبال على ان حزبه لا ينتظر ان يصوت النهضاويون لمرشحه لكنه يستغرب من تصويتهم لـ«الفوضويين المتطرفين».
هنا كشف النداء عن بعض من مخاوفه تجاه شريكه وحليفه في الحكم خلال السنتين الفارطتين، مخاوف تقوم على أساس ان قواعد النهضة لن تصوت في اية انتخابات قادمة لصالح «مرشح توافقي» بين الحركتين، حتى وان صدرت توصيات من القائمين على النهضة.
أي أن الحركتين ان قررتا ان تخوضا انتخابات رئاسية بمرشح ندائي لن يصوت لصالحه النهضاويون، بل إنهم سيتجهون للتصويت لمرشح يقف على نقيض خيار التوافق، يكون من الحراك، التيار ،الوفاء، والمؤتمر من اجل الجمهورية. قناعة جديدة باتت لدى القائمين على النداء تجعلهم يعدون مراجعة بعض الخيارات والخطط الكبرى.
لم تكن هذه القناعة الوحيدة التي ضربت، بل ان الشك طالهم ان تعلق الأمر بخزانهم الانتخابي حتى وان رفضوا الإقرار بان جزءا هاما من قواعدهم الانتخابية في ألمانيا انفضت من حولهم، ليجدوا أنفسهم دون حاضنة كان شبه «يقين» من وجودها الى غاية صبيحة يوم الاحد الفارط، وعبر قادة الحزب عن ذلك «بزهو» وهم يستبقون اعلان النتائج بتأكيد فوزهم. فوز كان الندائيون يعلنون أنهم سيحققونه في كل استحقاق انتخابي قادم، لكن بعد ما حققه الحزب في المانيا، دب الشك في أنفسهم، وبات يقينهم هباءا، وبات كل شيء محل تساؤل.
تخبط الحركة
لكن بسبب التخبط الذي يمرون به والارتباك، ارتأى الندائيون الى ان حل ازمتهم، التي اعتبروها تقوم على ثلاثي، استهدافهم +خيانتهم+ توقف عملية الاستقطاب، ليعبروا في بيانهم وتصريحاتهم عن هذا، انطلاقا من اعلان الحركة نيتها القيام «بالمراجعات الشجاعة والضرورية في علاقتها مع بعض الأطراف السياسية»، وادانتها لعمليات «الهرسلة» التي خدمت «مصالح القوى الفوضوية المتطرفة»، واخر عناصر الحل دعوتها لكل القوى والشخصيات الوطنية الى تعزيز صفوفه لخوض الانتخابات البلدية مقابل الانطلاق في مسار الاصلاح الهيكلي للحزب.
ثلاثة عناصر لم يتحدث سفيان طوبال الا عن العنصر الأول منها، وهي مراجعة علاقة الحزب بحركة النهضة، ليشدد طوبال على ان لقاء السبت والاحد القادمين سيطرح فيهما الموضوع لتتخذ هياكل الحزب قرارها، أي الكتلة البرلمانية والمنسقون الجهويين والمحلين والشخصيات الوطنية في الحزب.
هياكل ستناقش «خيانة» النهضة التي نفاها فتحي العيادي رئيس مجلس الشورى السابق للنهضة، بل وشدد في تدوينة له على ان حركته «لها أخلاقها التي تمنعها من الغدر والخيانة ولا احد يجبرها على ان تنتهج نهجا غير مقتنعة به» في رده على تصريحات التخوين المتكررة طوال امس.
النهضة اختارت ان تصمت عن الرد الرسمي في انتظار ما سيعلن في الأيام القادمة، ولكن بالاساس في انتظار موقف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، أي هل يدعم خيار فك التوافق ام يرفضه. انتظار لم يحل دون أن يشدد من تكلم باسم الحركة وهم قليلون، على انهم متمسكون بخيار التوافق، الذي هندسه «الشيخين» رئيس الجمهورية ورئيس حركة النهضة منذ 2014.
ما بعد التوافق
توافق انخرط فيه نداء تونس، وبالأحرى من ظل فيه بعد موجات الاستقالات الجماعية والفردية، قابلها تمسك القيادة الحالية لنداء تونس بخيار التوافق والتعايش الذي بحث عن تطويره اكثر ليكون في منتصف 2016 تحالف «القاطرتين» و»الترويكا الجديدة» في ديسمبر 2017، مرورا بالبيانات المشتركة أهمها بيان ماي الفارط بشان الحرب على الفساد.
توافق حرص المدير التنفيذي ورئيس الكتلة النداء على دعمه والتمسك به، لكنهم اليوم باتا يلمحان الى العودة عنه، أي إلى إعلان القطيعة النهائية مع النهضة والعودة إلى خطاب الاستقطاب الثنائي، النداء ضد النهضة بعد ان كان المدير التنفيذي ينتقد كل من يطالب بالتماهي مع النهضة، على غرار ما قاله في حوار نشرته الشروق الشهر الفارط.
تفكير النداء في تبنى خطاب معادي للنهضة يصطدم بواقع مختلف، فهو ياتي بعد سنتين ونصف من التحالف والتعايش والصفقات الثنائية، مما يفقد القيادة الحالية للنداء مصداقيتها ان رفعت الوية المعركة ضد النهضة، وليس هذا فقط ما يواجهونه، بل ان الخطاب الذي سيتبنونه سبقهم اليه حركة مشروع تونس، وهي منشقة عنهم بسبب «التقارب مع النهضة» وتحكم المدير التنفيذي بالحزب، اضافة الى حزب آفاق تونس الذي سبق له ان غادر السبت الفارط حكومة الشاهد ووثيقة قرطاج بعد ان امضى اشهرا عديدة ينتقد التقارب الندائي والنهضاوي ويطالب كالمشروع بالتمايز عنها.
غياب المصداقية وشدة التنافس تجعل من نداء تونس، غير قادرة على الذهاب بأريحية الى التمايز عن حركة النهضة وفك الشراكة معها، لكن أيضا بقاءه في تحالف معها سيكون أكثر ضررا وفق التطورات الأخيرة التي تكشف ان سيناريو الفشل بات واردا بعد ان كان السيناريو الوحيد في أذهان الندائيين الانتصار، وهو ما روجه المدير التنفيذي وسوق له بقوله الشهير «مدام عنا الشايب منخافوش» كما ورد في التسريب الصوتي.
حافظ قائد السبسي الذي راهن على ان وجود الباجي قائد السبسي مؤسس حركة نداء تونس ووالده في قصر قرطاج كرئيس للدولة سيكون ورقة رابحة، لكن هذا بات محل تساؤل بعد نتائج الانتخابات الجزئية، وهنا الخطر من وجهة نظرهم فالحزب الذي ظل قائما بسبب هذه القناعة سيكون مهيئا للتشظي ان دب الشك فيه والحال ذاته لكتلة الحزب الذي ظلت صامدة بسبب طموح نواب بمدة برلمانية ثانية، باتت اليوم محل شك كبير مما يدفع بهم الى البحث عن حظوظ اوفر، ربما يجدونها لدى آفاق تونس او حركة مشروع تونس.