ليطفو بعد تقدمها الى شارع الحبيب بورقيبة التباين الإيديولوجي بين المتظاهرين حتى في التعاطي مع القضية الفلسطينية التي لم تستطع إلغاء تلك الخلافات التي تحولت الى مناوشات. وكان إعلان الجبهة الشعبية مقاطعتها للمسيرة أحد تمظهرات قصور التوحد حول رفض قرار ترامب على إلغاء الخلافات الإيديولوجية والسياسية.
منذ الساعة الواحدة بدأت الحشود بالتوافد أمام المقرّ المركزي للإتحاد العام التونسي للشغل ببطحاء محمد علي قبالة جدار المبنى اين توسط علم فلسطين علمي تونس وإتحاد الشغل وإنطلقت الهتافات المنددة بإعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وبحلول الساعة الثانية والنصف تقريبا لم تعد البطحاء والأنهج تستوعب حشود الوافدين لتنزل قبيل الثالثة بعد الزوال قيادات المنظمة الشغيلة والاحزاب والمنظمات والجمعيات التي كانت قاعة سعيد القافي بمقرّ الإتحاد مكان تجمّعها.
بنزول كل القيادات النقابية والحزبية وغيرها وإلتحامهم بالحشود المتجمعة ببطحاء محمد علي الرافعين لأعلام فلسطين وكوفية البلد المعروفة، إنطلقت المسيرة الوطنية «تونس وفلسطين» بصفّين اماميين كانا بمثابة تجميع لكل قيادات المنظمات الوطنية والحزبية والحقوقية، في لحمة لرفض قرار ترامب أخفت تقريبا الخلافات السياسية والإيديولوجية حتى تلك التي لها علاقة بالقضية الفلسطينية ذاتها والخلاف بخصوص تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وبخروج الحشود من بطحاء محمد علي وتقدّمها الى شارع الحبيب بورقيبة زادت ضخامتها وتضاعف عدد المشاركين فيها بعد التحاق عديد التجمعات والمسيرات التي كانت حينها بالشارع الرئيسي للعاصمة تهتف ضدّ الإعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وحتى المسيرة التي خرجت من جامع الفتح بعد صلاة الجمعة التحقت بالمسيرة الوطنية التي دعا لها اتحاد الشغل وعدد من الاحزاب والجمعيات لتتحول الى مسيرة ضخمة.
إذ يمكن القول ان العاصمة لم تشهد في السنوات الماضية مسيرة بتلك الضخامة من حيث عدد المشاركين، فحشود المتظاهرين إمتدت من تمثال ابن خلدون الى حدود تمثال الحبيب بورقيبة وتعالت أصواتهم لتُفرز تداخلا في الهتافات والشعارات الرافضة للقدس كعاصمة لغير فلسطين والمنادية بسقوط إسرائيل ففي ظاهرها كانت الهتافات والشعارات واللافتات مجتمعة على نصرة القضية الفلسطينية ورفض القرار الامريكي بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
الإنقسام الإيديولوجي
إلا ان المتمعّن في تفاصيل تلك الشعارات أو بالاحرى ما تحمله من خلفيات إيديولوجية يرى إنقساما جليّا بين المتظاهرين الرافضين لقرار ترامب، فالقوميون والعروبيون نادوا بشعارات من قبيل «امة امة عربية...في مواجهة الصهيونية» «شركاء في العداون...آل سعود والأمريكان» ولم تغب صور جمال عبد الناصر وان كانت بحجم صغير عن حشود هؤلاء القوميين والعروبيين الحالمين بوحدة عربية.
اما الحشود الأخرى من المنتمين لليسار فقد كان الشعار الابرز الذي نادوا بها «الشعب يريد تجريم التطبيع» و«يا تجار الدين...الجهاد في فلسطين...يا تجار الدين...»، وحتى التكبير لم يغب عن مسيرة أمس فالملتحقون من مسيرة جامع الفتح وأغلبهم من المنتمين لحزب التحرير وعشرات المنتمين في السابق لما يُعرف برابطات حماية الثورة كان صدى هتافهم بالتكبير يتصاعد بوصولهم المنعرج المؤدي الى شارع محمد الخامس كما حال هتافهم بـ«لبيك يا فلسطين لبّيك».
ومن ذلك التباين في الخلفيات الإيديولحية لهتافات الرافضين لقرار ترامب تحوّلت المسيرة الوطنية الى مسيرات، حصلت بين بعضها مناوشات خاصة تلك التي كادت ان تتحول الى تبادل عنف بين الشباب من اليساريين والقوميين من جهة والمنتمين لحراك تونس الإرادة وروابط حماية الثورة في السابق لولا تدخلّ الامن على مستوى أول شارع محمد الخامس لإحتواء المناوشات قبل تطورّها، ولكن لم يستطع الامن منع تبادل الإتهامات بالعمالة والخيانة والمناوشات الكلامية التي طالت حتى الخلاف بخصوص النظام السوري والموقف منه.
وبوصول أول صفوف المسيرة الى آخر مسارها المقرّر بجانب قصر المؤتمرات كان عدد من المسيرات والجموع لا يزالون يحاولون العبور الى شارع محمد الخامس، فبلوغ قيادات الإتحاد والأحزاب والمنظمات نقطة نهاية المسيرة حذو قصر المؤتمرات ومن ثم عودتهم ادراجهم مثل إنتهاءها وبدأت حشود المتظاهرين مع الساعة الرابعة والنصف في العودة نحو شارع الحبيب بورقيبة والتفرّق عبر الانهج الموازية لشارع محمد الخامس.
الجبهة الشعبية تقاطع المسيرة
اكدت الجبهة الشعبية انها لم تشارك في المسيرة الوطنية «تونس وفلسطين» أمس الجمعة لأنها لم تشارك في مشاورت تنظيمها بإعتبار انها لا تقبل المشاركة مع احزاب الائتلاف الحاكم وبعض بقايا الترويكا السابقة الذين رفضوا تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني اكثر من مرة وتواطؤوا مع انظمة العمالة في الخليج وغيرها التي تأتمر بأوامر ترامب وتطبّع سرا وعلنا مع الكيان الصهيوني وتتامر على حقوقنا المشروعة في فلسطين .
اتحاد الشغل سيضغط ليتبنى الاتحاد الدولي للنقابات قضية القدس
أكد الناطق الرسمي للإتحاد العام التونسي للشغل لـ«المغرب» ان الاتحاد سيعمل على الضغط على الإتحاد الدولي للنقابات التي لها تأثير دولي وسيجبرها في إطار الصراع والنقاش النقابي داخلها على إصدار موقف رافض لإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وأشار الطاهري الى ان الإتحاد الدولي للنقابات دائما ما تبنى القضية الفلسطينية ولكن يجب عليه تبني قضية القدس وهو ما سيعمل عليه الإتحاد.
واعتبر الطاهري انه لا وجود لإتحاد الشغل في حركة نقابية لا تتبنى قضية القدس، وأكد ان عديد النقابات في العالم ستكون في صفّ موقف الإتحاد وستصدر في الأيام القليلة القادمة عديد النقابات في العالم مواقف مناهضة لإعلان القدس كعاصمة للكيان الصهيوني.