تكرر اسم حزب افاق تونس اثناء التطورات السياسية في المشهد التونسي خلال الاسابيع القليلة الماضية فقد اتخذ مواقف اعتبرت حادة من قبل شريكيه في الحكم، النهضة والنداء. واليوم مع اقتراب الحسم في ملف قانون المالية يقف الحزب عند مفترق الطريق بين خيارات محدودة قدمها رئيس الحزب ياسين ابراهيم في حوار مع «المغرب» هذا نصه
• بعد عملية مراجعة مشروع قانون المالية في مجلس النواب٫ هل مازالت لكم تحفظات على بعض فصول القانون؟
نحن لم نفرغ بعد من عملية المراجعة والتقييم التقني، فنحن لانزال في باب التحليل، لكن بشكل عام التغييرات التي تمت صغيرة جدا ولم تغير من فلسفة قانون المالية ولم تطل النقاط الهامة التي اشرنا اليها في وثيقة وجهناها لرئاسة الحكومة تتعلق بالمخطط الاقتصادي والاجتماعي في افق 2020 والتوجهات التي تبين اين نمضي ورؤية الحكومة للاصلاحات.
لم نر اي تغيير على مستوى النفقات بشكل جدي، فوفق ما فهمناه في فترة سابقة كان هناك تقليص في نفقات صندوق الدعم لكن كيف ذلك ومتى ؟ او الى أي حد او بأية طريقة ؟ قبل ان نفاجأ بما اعلن بعد اللقاء بين الحكومة واتحاد الشغل والاعلان عن عدم المساس بصندوق الدعم في حين ان الحكومة كانت قد أكدت لنا ان هناك توجها لاصلاح الصندوق للحد من نفقاته.
هذه المفاجآة تجعلنا غير واثقين من عدم تكرارها في ملفات اخرى تتعلق بالنفقات العمومية، بل ان بعض فرضيات النفقات تبدو غير دقيقة، كما هو الحال في فرضية سعر برميل النفط الذي افترض سعرا في حدود 54 دولارا والحال انه اليوم بلغ 64 دولارا والحال ان ارتفاع البرميل بدولار واحد يؤدي الى ارتفاع التكلفة ب120 مليون دينار تونسي، اي ان التكلفة الاجمالية ستكون في حدود 1200 مليون دينار٫ وهذا نفقات غير متوقعة، مما يجعلنا نتخوف من ان تكون النفقات اكثر مما هو متوقع. من جانب اخر النقد الاساسي هو إثقال كاهل المواطن والمؤسسات بالضرائب، نحن نراهن على تحقيق النمو عبر الاستثمار الذي لن يتم ان وقع الضغط الضريبي على المستثمرين.
• لكن هناك بعض النقاط المضيئة؟
ما فهمناه ان هناك بعض المجهودات المبذولة لتشجيع بعض القطاعات، على غرار السياحة وغيرها، نحن الان في مرحلة التقييم للوقوف على حجم الضغط المسلط على المؤسسات الاقتصادية، لكن بشكل عام لم تتغير الفلسفة، نحن الان في فترة صعبة وتستوجب توضيح دور الدولة.
• كيف ذلك؟
عبر طرح جملة من الاسئلة على غرار هل رفعنا من النفقات الموجهة الى التربية والمؤسسات التربوية للترفيع من امكانياتها لتوفير تعليم جيد للتونسيين ؟ الثاني هل رفعنا من النفقات الصحية ؟ صحيح اننا اليوم نتجه لاقرار ضريبة تضامنية لفائدة الصناديق الاجتماعية لكن هل فكرنا في الصحة وتحسين الخدمات الصحية ؟ انا دائما أقول واكرر ان الدولة تصنع وتوزع التبغ في حين ان هناك مجالات وقطاعات تحتاج ان نتجه اليها لتحقيق النجاعة. عليها ان تترك تصنيع التبغ فلا داعي لذلك وعليها ان توجه طاقتها الى تلبية الحاجيات الاساسية للتونسيين.
• اي ان تترك الدولة القطاعات التنافسية، هذا ماتشير اليه؟
على الدولة الاهتمام بالتربية والصحة والأمن، عليها ان تهتم بالبنية التحتية، فلا اضافة تحققها الدولة لمواطنيها بصناعة التبغ وتوزيع النفط.
صحيح ان هناك مخططا يتضمن رؤية هذه الحكومة الى حدود 2020 هذا جيد ومجهود محمود٫ لكن نريد ان تبين لنا الحكومة سياستها وان تبين لنا انه بمقدورها ان تغادر قطاع التبغ في اجل محدد وان تدرج شركة اتصالات تونس في البورصة وان تمنح العاملين فيها اسهما لتشريكهم وتشجعهم، هناك العديد من الاليات التي تستطيع المرور بنا الى بر الامان، لكن للاسف هذا لم نجده. بل نشعر بان هناك سياسة تسيير اعمال تقوم على تمرير قانون المالية اولا وبعدها نبحث عمّا يمكن ان نفعله.
• ما يفهم من كلامك ان المؤاخذات تتعلق اساسا ببقاء دور الدولة على حاله والحفاظ على ذات المقاربة دون تعديل لدور الدولة لتغادر الاسواق التنافسية وتكتفي بلعب دور المراقب والمعدل؟
نعم هو هذا، عليها ان تكون مراقبا ومعدلا وتركز على التاثير الاجتماعي اي على القطاعات التي لها تاثير اجتماعي كالتربية وتوزيع المياه والكهرباء وغيرها.
• هل تتقاطعون مع الاعراف في نقدهم لانحياز الحكومة وبرنامجها الى «اليسار»؟
ليس مسالة يسار بل هي مسألة الحفاظ على الموجود وابقاء الوضع كما هو عليه فمنذ الثورة نسلك هذا المسار الذي، في السابق كان مفهوما في ظل ضغط اجتماعي كبير حيث كان الذي يشغل الحكومات المتعاقبة هو شراء الصبر، لكن سياسات الحكومات غير واضحة، في وثيقة التوجهات الاساسية لسنة 2015 وقع التطرق لدور الدولة الذي يشير الى ان الدولة عليها ان تلعب دور المعدل فنحن لا حاجة لنا بدولة تشارك في 12 بنك، ثلاث ملكية تامة و9 لها فيها منابات ونسب. دور الدولة هو ملف محرم قد يكون ذلك بسبب الخشية والامر ذاته بالنسبة لصندوق الدعم.
• صندوق الدعم؟
نحن مع الدعم المباشر، اي منح الدعم في شكل اموال، بهذه الطريقة استهلاك المواد المدعمة على غرار الخبز يصبح اكثر ترشيدا، وهذا يسمح للمتمتعين بالدعم بالتصرف بهامش من الحرية. نحن في افاق تونس لسنا مع رفع الدعم هناك طبقات فقيرة تحتاجه ولكن مع توجيهه وجعله دعما مباشر فمن دون ذلك سيستمر الحال كما هو عليه الان، تهريب مواد مدعمة الى دول الجوار استهلاك السواح لمواد مدعمة ، اضافة الى السرقات التي تحدث اهدار مئات الملايين.
نحن اليوم مع القيام بتقييم تقني وسياسي للخيارات الاقتصادية التي ننتهجها، وما يقلقنا هو الفرق بين خطاب رئيس الحكومة في 14 جانفي الفارط وما يحدث اليوم، ففي 14 جانفي اعلن عن توجهات هامة كنا مسرورين بها لكن اليوم نلاحظ ان هناك مسافة بين الخطاب والارادة والقدرة على التنفيذ.
• هذا الفرق هل مرده ضغوط مورست على رئيس الحكومة، سواء من الاحزاب او الشركاء الاجتماعيين؟
قد يكون هناك ضغوطات لا نعي بها، نحن لا نعلم هو الوحيد القادر على شرح لماذا لم يتخذ اتجاهات اكثر شجاعة، ان خطابه كان في جانفي وتقديم قانون المالية كان في سبتمبر اكتوبر اي كان له الوقت الكافي ليقنع كل الاطراف وياخذ الاتجاهات اللازمة للاسف هذا لم يحدث قد يكون هناك ضغوطات، شخصيا لم الاحظ ان اتحاد الشغل اتخذ مواقف نهائية ورفض النقاش، النقاط لم توضع على الطاولة بين الممضين على وثيقة قرطاج والحكومة قد تكون وقعت بينها وبين الاتحاد لكن معنا لم يطرح اي نقاش بشان الاصلاحات لنقف على وجود رفض مبدئي للاصلاحات وضغط لعدم القيام بها.
• هذا يجعل من رئيس الحكومة هو المسؤول؟
السؤال يوجه اليه، لكن اقول ان السياسة الاقتصادية والاجتماعية تترجم في قانون المالية، لكن الان لا نرى ان مضمون خطاب 14 جانفي 2017 مترجم في قانون المالية.
اذ لا توجد شجاعة للقيام باصلاحات وتوجه واضح لدور الدولة التي عليها ان تغادر القطاعات التنافسية وتهتم بالمجالات الحساسة والاستراتيجية كالتربية والصحة. هناك تاجيل لاصلاح دور الدولة ولمنظومة الدعم. الشجاعة تغيب وكأن هنالك خوفا يعبر عنه بالقول ان البلاد تحتاج للاستقرار.
• هل تعتبر ان الحل اليوم هو التفكير بشجاعة؟
اجل ففي الحقيقة الكلفة السياسية لخياراتنا كبيرة جدا، هناك شراكة مع منافس لتوفير دعم برلماني، لكن الشجاعة في البرامج والاتجاهات غير موجودة، مما جعلنا نتورط في شراكة غير ناجعة طالما انها لم تؤد لاتجاهات شجاعة.
• هذا اذن الخطر الذي تخشونه؟
نحن في مرحلة تقييم في افاق تونس٫ نحن لنا مؤاخذة كبيرة على طريقة الحكم.
• ما هي المؤاخذات؟
قلت لك الاتفاق على البرامج الاقتصادية والاجتماعية لكنها لا تنفذ، كما اننا لا نحقق اي تقدم في البرامج الاقتصادية والاجتماعية اي ان التوافق والتقاءنا لم يحقق شيئا. هذا اولا اما المؤاخذة الثانية اننا انطلقنا في توافق مباشر دون ان نقوم بتقييم جدي للمرحلة السابقة، من قضايا الارهاب وغيرها من الملفات، هذه تكلفة اولى رضينا بها على امل ان يقع تحقيق تقدم في المستوى الاقتصادي والاجتماعي، المستوى الثاني هو ما شهدته الهيئات الدستورية التي اصبحت تخضع للمحاصصة الحزبية البحتة، كذلك التقارب بين الكتلتين الاكبر اللتين اتخذتا مواقف غير راضية عن الحرب على الفساد.
• هل تشتركون في الجبهة البرلمانية في ذات المؤاخذات المتعلقة بقانون المالية؟
الخبراء اشتغلوا على القانون اما المستوى السياسي فاننا سننطلق فيه هذا الاسبوع لكن ذات المؤاخذات الاولية، نحن اشتغلنا مع حركة مشروع تونس ووجهنا رسالة الى الحكومة مشتركة. خلال هذه الايام سنقوم بالتنسيق بيننا لتصل تنسيقية الكتل الى اكثر ما يمكن من مواقف مشتركة.
• هناك امكانية للتصويت ضد القانون؟
لن نصل الى هناك، الهدف الان هو صياغة مقترحات تعديلية لعديد الفصول التي لنا عليها مؤاخذات، لاحقا سنتابع التطورات في المجلس لنقف على ما هو مقبول وما هو غير مقبول، والمقبول هو ان يلين موقف وزير المالية بشان التعديلات نظرا للضغوطات والمؤاخذات الكبرى التي لا تقتصر علينا، لكن ان لم يقع التعديل او وجدنا انه لم يتغير الكثير قد نميل الى التحفظ فنحن نعتبر انه من غير الجيد ان تصوت احزاب الحكومة ضد القانون.