لها سير العملية الانتخابية على إثر تصويت النائبة ليلى أولاد علي في مناسبتين، وما أحدثته المسألة من جدل. عملية انتخاب رئيس الهيئة لم تخل من التجاذبات السياسية داخل قبة البرلمان، ومن جدل بين أعضاء الهيئة.
أسئلة عديدة تطرح قبل انعقاد الجلسة العامة المخصصة لانتخاب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، هل سينهي مجلس نواب الشعب مسلسل الهيئة ويضع حدا للمسألة التي طال انتظارها؟ خصوصا مع تصريح عضو الهيئة نبيل بفون أول أمس بأن عدم انتخاب رئيس الهيئة في هذه الجلسة سيحول دون إجراء الانتخابات البلدية في موعدها المحدد يوم 25 مارس 2018. الجلسة العامة سبقتها عديد الأحداث الساخنة والأقاويل على اثر ما سُرِّب من أخبار حول تمكن الكتل من التوافق على شخصية لتولي رئاسة الهيئة.
ما قبل الجلسة
هذه التساؤلات حول مدى جدية نواب الشعب في ثالث مناسبة لهم، بعد تعثر انتخاب الرئيس في مناسبتين سابقتين، ومع وجود بعض الأخبار في الكواليس حول تمكن الثلاثي أي كتل حركة النهضة ونداء تونس والاتحاد الوطني الحر من التوافق حول شخصية تتولى رئاسة هيئة الانتخابات من بين 6 مترشحين، دون البوح بها وذلك في إطار الاجتماع المنعقد أول أمس حول مشروع قانون المالية لسنة 2018 بالمقر المركزي لنداء تونس. 6 مترشحين يتنافسون هذه المرة على كرسي رئاسة هيئة الانتخابات، وهم كل من أنيس الجربوعي، فاروق بوعسكر، نجلاء ابراهيم، نبيل العزيزي، محمد التليلي المنصري، أنور بن حسن. الأسماء تبدو هي نفسها مقارنة بالجلسات الانتخابية الفارطة باستثناء عدم تقديم العضو نبيل بفون ترشحه هذه المرة، بالرغم من أن حظوظه كانت مرتفعة في الجلسة الانتخابية الأولى، إلا أن ما آلت إليه الجلسة الثانية من انحصار الرئاسة بين محمد التليلي المنصري الذي كانت تنقصه 9 أصوات ليكون رئيسا، جعله يعدل عن الترشح هذه المرة، باعتبار أن الرئيس ينتخب بـ 109 أصوات.
تهديدات وإسقاطات لترشحات
الجلسات الانتخابية لا تخلو من المفاجآت في اللحظات الأخيرة، حيث تأخرت الجلسة العامة لأكثر من ثلاث ساعات عن موعدها المحدد وذلك في انتظار المرشح نبيل العزيزي من أجل سحب ترشحه، بعد اكتشاف أن مطلب الترشح يضم بعض الأخطاء من بينها خطأ على مستوى الاسم. ومع ظهور ريح توافق لفائدة المنصري قبل انعقاد الجلسة العامة، وتسريبات التوافقات بين الكتل البرلمانية، سرعان ما أجبر اعضاء الهيئة على الاتصال بالمجلس والتهديد بالاستقالة وهو ما أثار استغراب النواب من هذه المسالة. وفي هذا الإطار، صرّح عضو لجنة الفرز بمجلس نواب الشعب وليد جلاد بوجود تهديدات من بعض أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالاستقالة من الهيئة في صورة انتخاب محمد التليلي المنصري رئيسا للهيئة في الجلسة العامة.
وبهذا يتقلص عدد المتسابقين إلى كرسي الرئاسة ليصبح 5 مترشحين فقط، لتنطلق الجلسة العامة بحضور 124 نائبا، من أجل انتخاب رئيس للهيئة، لكن الإعلان عن نتائج الانتخابات تأجل كثيرا بعدما تم إقرار ترك الجلسة العامة مفتوحة من أجل التحاق بقية النواب للتصويت وذلك خوفا من أن لا يحصل أي مترشح على الأصوات الكافية. وبالتزامن مع أشغال الجلسة العامة، فقد أصدر عدد من الأحزاب، بيانا مشتركا تدعو فيه إلى تنظيم الانتخابات البلدية في أقرب الآجال. واعربت في نفس الوقت عن أسفها لتواصل ازمة التسيير داخل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. كما استنكرت توافق بعض الأحزاب حول رئيس للهيئة، الذي فيه مساس من إستقلالية الهيئة على حد تعبيرهم. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأحزاب الممضية على البيان هي نفسها الأحزاب التي كانت قد دعت سابقا إلى تأجيل موعد الانتخابات البلدية وهي كل من الجمهوري، العمل الوطني الديمقراطي، آفاق تونس، تونس أولا، المبادرة، اللقاء الديمقراطي، الوطن، حركة مشروع تونس، حزب البديل التونسي، المستقبل والمسار الديمقراطي الاجتماعي.
نائبة تصوت مرتين !!
وبعد انتهاء عملية التصويت التي امتدت على يوم كامل تقريبا مما جعل عملية انتخاب رئيس الهيئة بمثابة الولادة القيصرية والعسيرة، خصوصا بعد تصريح النائب عن الكتلة الحرة لمشروع تونس حسونة الناصفي أن هناك من النواب من صوّت أكثر من مرة. هذا الأمر جعل أعضاء لجنة الفرز يطلبون وقف عملية الفرز إلى حين الرجوع إلى تسجيل الجلسة العامة والتثبت من النواب الذين صوتوا أكثر من مرة. لكن في الأخير، اتضح أن النائبة عن الكتلة الوطنية ليلى أولاد علي صوتت في مناسبتين، بتعلّة أنها صوتت في المرة الأولى ثم خرجت لتعود على أساس وجود دورة انتخابية ثانية.
وفي هذا الإطار، اختلفت الآراء بين من يرى أنه يجب الإعلان عن النتائج وفي حالة وجود فارق صوت وحيد يعاد التصويت من جديد، وهو ما رفضته المعارضة التي طالبت بإعادة التصويت، حتى لا يتم الطعن في نتائج الانتخابات. من جهته، قال النائب عن حركة النهضة الحبيب خضر أن هناك نية لتعطيل الانتخابات البلدية من قبل البعض الذين يطالبون بوقف عملية التصويت، في حين قالت النائبة عن كتلة آفاق تونس ريم محجوب أنه من غير المعقول ترك فتح باب الترشحات أكثر من ثلاثة ساعات الأمر الذي قد يوحي بوجود أكثر من نائب صوت أكثر من مناسبة، متسائلة عن كيفية عدم تفطن لجنة الفرز إلى هذه المسألة، وهو ما يستوجب إعادة التصويت مرة أخرى.
الإعلان عن النتائج
وقد التجأ رؤساء الكتل البرلمانية إلى رئيس المجلس من أجل البحث عن مخرج لهذا المأزق، بعد استغلال المسألة من قبل بعض الكتل من أجل اتهام أطراف أخرى بسعيها لتأجيل الانتخابات البلدية عن طريق تشويه العملية الانتخابية. وتم التوصل إلى استكمال عملية الفرز ومراجعة التسجيل التلفزي لعملية التصويت من أجل التثبت، قبل الإعلان عن النتائج. وبعد التشاور لأكثر من ساعتين، تم الإعلان عن النتائج النهائية التي لم تكن بعيدة عن التوافقات او مفاجئة لها، حيث فاز العضو محمد التليلي المنصري بـ 115 صوتا ليتحصل على منصب رئاسة الهيئة، فيما تحصلت العضوة نجلاء ابراهيم على 49 صوتا، ثم أنيس الجربوعي على 5 أصوات، أما البقية فلم يتحصلوا على أي صوت. وبخصوص التصويت مرتين، تمت مراجعة التسجيل من قبل لجنة الفرز، حيث تبين أن النائبة ليلى أولاد علي هي الوحيدة التي قامت بالتصويت مرتين، وفي هذا الاتجاه تم التوافق على أن يتم حذف صوت للمترشح الذي تحصل على أكثر عدد من الأصوات بالرغم من رفض المعارضة لهذه المسألة التي طالبت بإعادة التصويت.
مسلسل الهيئة الانتخابية وإن طال، إلا أنه لا يزال مستمرا في انتظار موقف المعارضة في البرلمان من مسألة عملية التصويت وما شابها من خروقات، وأيضا فإن مجلس نواب الشعب الآن أمام مهمة ثانية وهي تجديد ثلث أعضاء هيئة الانتخابات بعد اجراء القرعة.