لعلها الصدفة وحدها هي الرابط بين تأجيل عقد الجلسة العامة التأسيسية للجبهة البرلمانية وبين عدم الإعلان عن «التنسيقية الثلاثية» بين النداء والنهضة والوطني الحر، وان كانت السياسة لا تؤمن كثيرا بالصدف، تاجلت الاولى فيما الثانية بحث الجميع على صياغات مختلفة للقول انها لن تشكل.
أولى الصياغات ما خرج به البلاغ الصحفي الصادر أمس، عن اللقاء الثلاثي، الذي انعقد بمقر حركة نداء تونس، وأطلق عليه اصطلاحا «اللقاء التشاوري الأول» بين أحزاب حركة نداء تونس وحركة النهضة والاتحاد الوطني الحر. هذه الأحزاب التي مثلها رؤساؤها ورؤساء كتلها البرلمانية وأعضاؤها المنتسبون للجنة المالية بمجلس نواب الشعب.
لقاء خصص وفق البلاغ الى عودة الوطني الحر للالتزام بوثيقة قرطاج، من منطلق ضرورة دعم الحزام السياسي حول اتفاق قرطاج عبر عودة الوطني الحر إلى أرضية الاتفاق بما يقوي الدعم السياسي المطلوب لفائدة حكومة الوحدة الوطنية، وفق نص البلاغ، الذي اشار ان اللقاء تناول مضامين قانون المالية لسنة 2018 .
حيث يتفق ثلاثتهم على ضرورة تعديل بعض الفصول لتحقيق التوازن المطلوب بين انجاز الإصلاحات الاقتصادية والمالية وحماية المقدرة الشرائية للمواطنين و توفير المناخ الجيد للاستثمار ، إضافة إلى التأكيد على ضرورة الاتفاق سريعا على انتخاب رئيس جديد للهيئة العليا للانتخابات، ليختم البلاغ بإشارة إلى وقوف الأحزاب الثلاثة خلف الدولة في مكافحة الفساد.
لقاء تجاوز الساعتين والنصف انتظر الجميع ان تنتهي بإعلان «التنسيقية الثلاثية» فأعلن على الملأ ان ما انعقد هو «لقاء تشاوري» سيظلّ مفتوحا على كل القوى الوطنية تمسكا بمبدإ الحوار الشامل لمواجهة مختلف الاستحقاقات.
ما تضمنه البلاغ الختامي للقاء، من تجاوز كلي لمسألة تأسيس تنسيقية بين الكتل الثلاث لتوحيد المواقف في المجلس، كما أعلن الاتحاد الوطني الحر والمح إليه رئيس الحركة راشد الغنوشي يوم السبت الفارط بحديثه عن «مبادرة»، ليعلن يوم أمس في تصريح لـ«المغرب» اثر اللقاء ان الإعلان عن «المبادرة» أجّل إلى موعد لاحق، فاللقاء خصص لعودة الوطني الحر أولا والتوافق على انتخاب رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات ثانيا.
تجنب رئيس الحركة الإقرار بان «المبادرة» المشتركة بينه وبين الاتحاد الوطني الحر لم تجد قبولا في صفوف حركة نداء تونس، واكتفى بالإشارة إلى أن آلية التشاور وضعت على سكتها، تاركا الأمر للوقت، كي ينجز البقية. لكن مقابل هذا نجد رئيس كتلة الحركة بالبرلمان نور الدين البحيري، يحاول إعادة شرح ما تم.
فتصريح رئيس حركته يوم السبت فهم خطأ، فهو لم يتحدث عن تنسيقية واليات تخصها، إنما السياق العام في البلاد شجع المراقبين سواء من سياسيين او أعلامين على الذهاب إلى هذا واعتبارها كما أشار «رد فعل» على تأسيس الجبهة البرلمانية. ليعلن هنا البحيري أن الحركة لا تمارس السياسة من منطق «الفعل وردود الأفعال»، مشيرا إلى أن الأحداث تقرأ «بما هي عليه» دون الغوص في النوايا او الاشتغال على هناك «أهداف» خفية.
البحيري كان أكثر حرصا من رئيسه على إبراز نجاح اللقاء، بتشديده على أن اللقاء أسفر عن عودة الوطني الحر الى وثيقة قرطاج، نصر يبرزه رئيس الكتلة كنجاح لحزبه والنداء في إطار تقوية الجبهة الوطنية الداخلية.
تختفي التنسيقية ويحل محلها اللقاء التشاوري، في ظل محاولات لتقليل تداعيات هذا الإخفاق السياسي، والسبب هو موقف حركة نداء تونس التي أكد رئيس كتلتها سفيان طوبال ان حزبه ومنذ سماعه للمبادرة في الإعلام أعلن عن رفضها، بل وأعلن ان حزبه لم يكن له علم بهذه المبادرة التي اعترض عليها وتمسك باللقاء التشاوري، مصطلح يعتبره طوبال دليلا على «موقف حزبه». لكن من حيث المبدأ النداء لا يعترض على التنسيق بين الأحزاب الممضية على اتفاق قرطاج، بل وفي امكانية النظر في هيكل أو آلية لتفعيل التنسيق وجعله ناجعا.
هنا يثير القيادي بالنداء إمكانية بعث هذه التنسيقية لكنها بين الأحزاب لا الكتل، حرص يراد به ترك الباب مفتوحا امام حلفيه دون توريط الكتلة البرلمانية لتجنب صراعات داخلية جديدة، وانتظار مؤشرات من قصر قرطاج.