قراءة وتحليل زياد كريشان
لم يأت الباروميتر السياسي لشهر أكتوبر الذي تعده مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة المغرب بجديد يذكر ، فنسبة التشاؤم مرتفعة جدا وتجاوزت هذا الشهر سقف الثلاثة أرباع (%75.4) ونسبة الرضا عن أداء رئيس الحكومة مازالت مرتفعة رغم التراجع الطفيف للشهر الثاني على التوالي ..
أما الجديد اللافت فهو القفزة الهامة في نسبة الرضا عن رئيس الجمهورية التي تجاوزت من جديد عتبة %50 (%50.4) وتبوأ نورالدين البحيري رئيس الكتلة النيابية لحركة النهضة مؤخرة الترتيب في نسبة الرضا الكبيرة عن الشخصيات السياسية بدل حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لنداء تونس.
ثلاثة أرباع التونسيين متشائمون
للشهر الثالث على التوالي يتواصل منسوب التشاؤم في الارتفاع وإن كان بنسبة أقل هذه المرة (%1.7) ليصل إلى ثاني أرفع نسبة له (%75.4) منذ تولي يوسف الشاهد رئاسة الحكومة وثالث ارفع نسبة منذ جانفي 2015..
ناخبو النداء هم الأقل تشاؤما في البلاد (%64.7) أما ناخبو النهضة فتشاؤمهم يتجاوز المعدل الوطني بقليل (%76.8).
في هذا الشهر تكون تونس الكبرى الجهة الأقل تشاؤما في البلاد (%69.1) مقابل ارتفاع هذا المنسوب إلى مستويات قياسية في الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) بـ%86.5 .موجة التشاؤم مقسمة بصفة متقاربة جندريا واجتماعيا مع فوراق طفيفة فالنساء أكثر تشاؤما من الرجال (%78.6 مقابل %72.2) وكذا الحالة بالنسبة للطبقة الشعبية مقارنة بالطبقة المرفهة (%77.7 مقابل %70.8) مرة أخرى يكون عنصر السن هو المحدد الأبرز في التفاؤل والتشاؤم إذ تصل فيه الفوارق إلى حوالي 25 نقطة ..
فالشباب هم دوما الأكثر تشاؤما ولكن تبلغ الذروة عند شريحة 31 - 35 سنة بـ%86.7 أي عند الشباب الذين اصطدموا منذ سنوات قليلة بصعوبات الحياة العملية وبتفشي ظاهرة البطالة في صفوفهم سواء أكانوا حاملين لشهادات علمية عليا أم لا..وتتراجع هذه النسبة من شريحة إلى أخرى مع تقدم السن لتصل إلى مستواها الأدنى (%62.1) عند من تجاوز الستين..
العلاقة بين المستوى التعليمي ومنسوب التشاؤم طردية فهي الأدنى عند الأميين (%66.7) والأرفع عند أصحاب مستوى التعليم العالي (%79.7) فلو أردنا أن نرسم نموذج المتشاؤم من خلال هذه المعطيات لقلنا بأنها امرأة ما بين 31 و35 سنة من سكان الجنوب الشرقي من الطبقة الشعبية ومستواها التعليمي جامعي أما التونسي الأقل تشاؤما فهو رجل أمّي تجاوز الستين من سكان تونس الكبرى من الطبقة الميسورة
تراجع طفيف للرضا عن يوسف الشاهد وارتفاع ملحوظ لفائدة الباجي قائد السبسي
تبقى نسبة الرضا مرتفعة عن رئيس الحكومة ولكنها تسجل تراجعا طفيفا للشهر الثاني على التوالي فبعد أن بلغت ذروتها في شهر أوت الماضي بـ %81.7 هاهي تتراجع إلى %76.9 في أكتوبر وكأننا إزاء إشارة واضحة إلى نوع من الانتظار بعد الشحنة المعنوية الكبيرة التي رافقت حملة الإيقافات الأولى لبعض أباطرة التهريب والشبكات المشبوهة..وكأننا في مرحلة بين بين لا نعلم هل سننطلق من جديد في مرحلة من تصاعد الرضا على صاحب القصبة أم سيتآكل رصيده تدريجيا شهرا بعد آخر..
مقابل هذا التراجع الطفيف شهد الرضا عن أداء رئيس الدولة قفزة هامة هذا الشهر بأكثر من ثماني نقاط ليتجاوز مجموع الرضا نصف العينة بقليل %50.4 وليتقلص الفارق بين راسي السلطة التنفيذية إلى حوالي 26 نقطة بعد أن تجاوز 37 نقطة في الشهر الماضي..
والواضح أن التونسيين قد تفاعلوا مع المبادرات القادمة من قرطاج خلال هذه الصائفة واقروا لساكنه بنوع من الريادة السياسية ولكن دون منحه منسوبا مرتفعا من الثقة بل يظل الارتياب هو الطاغي في تقييم التونسيين إذ لا يرضى كثيرا عن أداء رئيس الجمهورية سوى %15.7 من المستجوبين بينما لا يرضى عنه بالكلية أكثر من ضعف هذه النسبة (%32.4) وهذا يعني أن الرضا النسبي عن أداء الباجي قائد السبسي يبقى هشا رغم الطفرة الهامة التي سجلها في باروميتر هذا الشهر
الشاهد في الطليعة...
مازال يوسف الشاهد يتصدر ترتيب مؤشر الثقة الكبيرة في السياسيين بـ%42 وتليه دوما النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو رغم تراجعها بنقطتين (%40) وبعيدا نسبيا عن هذا الثنائي نجد ثلاثيا تجاوز نسبة %30 وهم الصافي سعيد بـ%34 وناجي جلول بـ%34 وعبد الفتاح مورو بـ%33 وبعد هؤلاء نجد رباعيا تجاوز بدوره عتبة %20 وهم الحبيب الصيد بـ%26 ومحمد عبو بـ%26 والباجي قائد السبسي بـ%23 والمهدي جمعة بـ%20..
ويختم عشاري الطليعة رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي بـ%18..
لو تأملنا هذا العشاري لرأينا فيه راسي السلطة التنفيذية الحاليين ورئيس جمهورية سابق (المنصف المرزوقي) ورئيسين سابقين للحكومة (الحبيب الصيد والمهدي جمعة) أي خمسة من أصل عشرة قد شغلوا ، أو يشغلون، أعلى المراتب في الدولة ومن هذا العشاري اثنان فقط ينتميان بوضوح للمعارضة وهما سامية عبو ومحمد عبو..
فرغم كل ما يقال عن ضعف ثقة التونسيين في أهل السياسة إلا ان التونسي يمنح ثقته بصفة أيسر لمن يمارس أو مارس الحكم في أعلى مستوى وهذا يدل على نوع من المحافظة عن السلوك السياسي تستفيد منه بالأساس شخصيات الحكم بينما تجد شخصيات المعارضة صعوبات شتى للفت النظر إليها وحتى وإن لفتته فهي لا تحظى دوما بثقة المواطنين ..
..والبحيري في المؤخرة ..
على امتداد أشهر طويلة ظل حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لنداء تونس في مؤخرة قائمة الشخصيات السياسية في مؤشر الثقة الكبرى..
فحافظ قائد السبسي من الشخصيات المعروفة عند التونسيين ولذا نراه باستمرار في هذه القائمة ولكن الثقة الكبيرة فيه ضعيفة جدا ..
هذه المرة سجل قائد السبسي الابن تقدما طفيفا بنصف نقطة مقابل تراجع رئيس كتلة حركة النهضة بأكثر من نقطة والنتيجة هي ارتقاء المدير التنفيذي للمرتبة قبل الأخيرة تاركا وراءه حليفه في التحالف الحكومي.
.
واللافت للنظر هو أن أكثر من ثلث شخصيات هذه القائمة هم دون عتبة %10 من الثقة الكبيرة ونجد فيهم ياسين إبراهيم ومحسن مرزوق وسمير الطيب وراشد الغنوشي بـ9 نقاط فسليم الرياحي بثماني ثم الهاشمي الحامدي والمهدي بن غربية بسبع فبرهان بسيس واياد الدهماني وزياد العذاري وحافظ قائد السبسي بست فنورالدين البحيري بخمسة نقاط فقط..
إذن خمس شخصيات فوق الثلث واثنتا عشرة شخصية دون العشر..هاتان النسبتان تعبران لوحدهما عن مدى اهتزاز الثقة في الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء.
المستقبل السياسي للشخصيات العامة
لا جديد يذكر في مؤشر المستقبل السياسي للشخصيات العامة فيوسف الشاهد يتصدر هذا الترتيب متبوعا كالعادة بسامية عبو وبنفس الثلاثي الذي تحدثنا عنه في مؤشر الثقة الكبيرة ..
الجديد في هذا المؤشر نجده في مؤخرة الترتيب حيث يحقق قائد السبسي الابن تقدما طفيفا يسمح له بترك اربعة سياسيين وراءه وهم اياد الدهماني والهاشمي الحامدي وزياد العذاري ونورالدين البحيري..
والطريف كذلك هو أن نجل رئيس الجمهورية محاط برجلين لطالما طالب برأسيهما وهما مهدي بن غربية واياد الدهماني ..فالترتيب كالولادة يختارك ولا تختاره ..