يشتد الخناق على الحكومة الباحثة عن اكبر دعم ممكن، داخليا وخارجيا.
لايزال مشروع قانون مالية حكومة الشاهد محل غموض، في ظل تأجيل المجلس الوزاري المخصص له من يوم أمس الجمعة إلى يوم الأربعاء القادم، تأجيل فرضه تغير جدول أعمال رئيس الحكومة وعدد من وزرائه من بينهم توفيق الراجحي وزير الإصلاحات الاقتصادية، المنتظر ان يلتقي بممثلين عن صندوق النقد الدولي.
لقاء سيكون محددا وحاسما في قانون مالية 2018، وسيوضح اكثر ما حمله بيان وفد الصندوق الذي تضمن مؤشرات هامة عن نظرة الصندوق الى تونس وما يطلبه منها، فالصندوق الذي اوصى الحكومة بان تهتم بسياسات التشغيل وخلق مواطن شغل، أوصاها ايضا بان تحد من النفقات العمومية وأشار صراحة الى كتلة الأجور.
نفقات عمومية طالب الصندوق بالتقليص منها دون ان يلمح او يصرح بما يفيد انه يشجع الحكومة على الذهاب في مراجعة صندوق الدعم او غيره من الصناديق الاجتماعية. ويبدو ان الحد من الإنفاق العمومي وتوفير فرص عمل هما ما يبحث عنه الصندوق فقط ليعلن دعمه لتونس.
دعم تعتبره الحكومة ورقتها الرابحة لتوفير موارد إضافية، فمن دون الصندوق ودعمه ستواجه الحكومة صعوبات جمّة في الأسواق المالية ومع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، التي تراهن عليها تونس لتوفير مبالغ هامة لسد العجز المنتظر في ميزانيتها.
عجز تشير مصادر حكومية انه غير مستقر، فهيكليا تواجه الحكومة سنويا منذ الثورة عجزا مطرد الارتفاع، فاستقرار مداخيلها المباشرة وغير المباشرة يقابله ارتفاع مستمر في نفقاتها، مما يجعل العجز الهيكلي للسنة القادمة في حدود 9 مليار دينار تونسي دون احتساب نفقات التنمية.
فميزانية 2018 المنتظر أن تتجاوز رقم 34 مليار دينار بكواسر لن تتجاوز عائدات الدولة فيها سواء العائدات الجبائية او المباشرة في أفضل الحالات 26 مليار دينار تونسي، وهي مرشحة لان تتقلص ان تراجعت عن بعض الإجراءات الجبائية المزمع ادراجها في قانون المالية. هذا ان تم فان تحقيق التوازنات المالية التي أعلنت الحكومة انها هدفها الاول سيكون صعبا.
لتجنب ذلك تدرس الحكومة كل خياراتها المتاحة لتحقيق معادلة صعبة، ضمان التوازنات المالية جنبا إلى جنب مع ضمان دعم الفاعلين الاجتماعيين، الذين تواجه مع كل طرف منه صعوبات منفردة وجماعية، كل هذا في ظل معطيات ثابتة تتمثل في انها لم تعد قادرة على المناورة وخفض المصاريف، في أبوابها الأربعة، كتلة الأجور ، نفقات الدعم، سداد الديون وخدماتها، وأخيرا نفقات التنمية المقدرة بـ5.5 مليار دينار للسنة القادمة.
مكان وسط بين الصندوق والمنظمات الاجتماعية
في قراءاتها للوقائع الراهنة، تنطلق الحكومة من ان طوق النجاة من الصعوبات المالية هو صندوق النقد الدولي، وانه من دون دعمه وإعلانه الصريح عن ذلك، ستواجه صعوبات جمة في تعبئة موارد إضافية لتمويل موازناتها من الأسواق المالية العالمية. لذلك تسعى جاهدة لضمان هذا الدعم عبر تطبيق الالتزامات المتفق عليها مع الصندوق.
لكن في تطبيقها ستواجه الحكومة كمّا من الصعوبات والصراعات من المنظمات الاجتماعية بالاساس، فاتحاد الشغل ومنظمة الأعراف واتحاد الفلاحين، لن يكون موقفها مساندا لاجراءات الحكومة التي سيكون انعكاسها المباشر على منظوريهم. خاصة وان الحكومة تبنت خطابا يركز على ان الخيارات ضرورية والتضحية لازمة وهذا مقترن دوما بوصفها للامر على انه «خيارات موجعة».
خيارات ترفض المنظمات الاجتماعية الثلاث القبول بها دون مراجعات تقلل من حدتها، كخيار الزيادة في الضرائب، المباشرة وغير المباشرة، مراجعة نفقات الدعم وغيرها. وان جمع الرفض المنظمات الا أنه ليس وحدة ثابتة بمنطق الفيزياء بقدر ما هو ارض متحركة.
فما يرفضه الاعراف يقبل به اتحاد الشغل، وما يرفضه الاتحاد ينادي به الاعراف، مما يجعل من الحكومة كمن اتخذ رهينة في حقل رمال متحركة، كل حركة او خطوة قد تفاقم من غرقها، وحدها اليد التي تمتد قادرة على انقاذها، وهنا وجب على الحكومة ان تبسط يدها عوضا عن القول بانها تفعل.