المباشرة لكنهما يتباعدان في ما عدى ذلك، وهو كثير.
لم تكن تصريحات وداد بوشماوي رئيسة منظمة الأعراف، وهي تغادر قاعة الاجتماع بقصر الضيافة بقرطاج مساء الخميس الفارط، إلا مؤشرا جديدا عما تواجهه الحكومة من عقبات جمة في إقناع الداعمين لها بمشروع قانون ماليتها لـ2018 وبخطتها للإنعاش الاقتصادي.
ما قالته بوشماوي، وهي تغادر الاجتماع، عكس أيضا بوادر ظهور الصراع بين الأعراف والنقابيين، خاصة وان رئيسة الأعراف أعربت في قاعة الاجتماع المغلقة عن انزعاجها من اقتحام مقرهم من قبل محتجين تؤطرهم نقابة المهن المختلفة التابعة لاتحاد الشغل، وهنا رد عليها الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، بان ما حدث انفلات كان سببه عدم تطبيق الاتفاقات السابقة.
نقد لم يظل حبيس القاعة بل غادرها إلى الإعلام أما صراحة أو تلميحا، خاصة في ملف نقل البضائع والمحروقات، الذي يطالب الاتحاد بان تفعل الاتفاقات المتعلقة بزيادة الأجور فيما يرى الأعراف ان ذلك غير ممكن ما لم تراجع الحكومة أسعار نقل المحروقات، مراجعة يطلب الأعراف ان يكون للاتحاد دور في الوصول اليها، وهو ما رفضه الطبوبي الذي شدد على انه امر يخص الحكومة والأعراف وحدهما.
رفض الاتحاد، ليس فقط تجنبا للعب دور غير مرغوب فيه، وإنما إعلان عن ان المرحلة القادمة ستحمل صراعا مباشرا مع الأعراف في جملة من الملفات تتعلق بقانون المالية وبخطة الإنعاش الاقتصادي. بدأت ملامحها تتضح.
احد تلك المؤشرات هو ما قاله الأمين العام المساعد بالاتحاد والناطق الرسمي باسمه سامي الطاهري، الذي وصف لقاء الخميس بأنه « مجرد دردشة لا أهمية لها» وان الاتحاد ينتظر عرض مشروع قانون المالية عليه ليقدم مقترحاته التي سبق واعدها، وتتضمن بعض الإجراءات على غرار الإبقاء على الضريبة الاستثنائية على الشركات مع مراجعة نسبتها.
مقترحات سيقدمها الاتحاد الى الحكومة مباشرة حيث انه وعلى لسان الطاهري، باتت الجلسات مع الممضين على اتفاق قرطاج غير ذات معنى، والاتحاد «يفكر في عدم حضورها والتعامل مع رئيس الحكومة مباشرة لتجنب الحضور» بعد ان اتضح كما يشير الى ان الجلسات لن تفيد البلاد.
تلويح الاتحاد بمقاطعة الاجتماعات لن يحول دون ان يقدم رايه ويشارك في المشاورات وتقديم المقترحات كما شدد الطاهري، الذي اعتبر ان اثارة مسالة الاحتجاجات امام مقر الاعراف يراد لها ان تصرف الانظار عن القضايا الاساسية، مع التشديد على ان ما تم من اقتحام لمقر الاعراف هو «انفلات» جد بسبب نفاد صبر العاملين في قطاع الحراسة نتيجة عدم زيادة في اجورهم لأكثر من 5 سنوات في ظل ما وصفه بـ«التجاهل» و«الحقرة».
هنا قدم الطاهري موقفه المتمثل في ان أصل الازمة هو تجاهل المطالب وان الاحتجاج والانفلات الذي تم هو الفرع، واعتبر ان محاولة تضخيم الحادثة لها أهداف لم يكشفها، لكنه اشار الى ان البلاد مقدمة على قانون مالية وعلى مفاوضات في ملفات اجتماعية.
إشارة الطاهري ان هناك جملة من الملفات الهامة ستوضع على طاولة النقاش من اهمها قانون مالية 2018 الذي تراهن الحكومة فيه على مسالة الشراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص لتحقيق مشاريع فيما يرفض الاتحاد تفعيل القانون ويطالب بمراجعته.
رفض يعتبره الاتحاد مبدئيا في ظل دفاعه عن حقوق العاملين والمؤسسات الوطنية، التي يشير الطاهري الى ان «الأعراف شهيتهم مفتوحة للملك العام» وينتقد قول الأعراف بان المؤسسات العمومية تتسبب في خسارة للمجموعة الوطنية ودافعي الضرائب. ليقول ان القطاع الخاص يتحصل على 5 اضعاف الدعم الموجه للمؤسسات العمومية.
إعراب صريح عن رفض الاتحاد خصخصة مؤسسات عمومية يقابله دعوة منظمة الأعراف في بياناتها وفي تصريحات قادتها الى دراسة الملف دون خطوط حمراء في إشارة الى خيار التفويت في المؤسسات التي تشكل عبءا.
لكن الصراع العاجل، لن يكون بشان المؤسسات العمومية هيكلتها او التفويت فيها، وانما سيتعلق بملف الشراكة بين العام والخاص الذي تراهن حكومة الشاهد على ان يكون قاطرة الاستثمار العمومي في الجهات ويعتبر الاعراف احد الحلول الجيدة.
الخلافات لا تعنى انهما لا يلتقيان في نقاط مشتركة وهي ملف الضريبة، التي يرفض كلاهما ان يقع الزيادة فيها بالنسبة لمنظوريهم لكنه دون الافصاح صراحة يقبل بان تضاف لغيره، كما ان كليهما يلتقيان في ملف الاقتصاد الموازي والتهرب الضريبي وان كان كل منهما يدافع عن تصور خاص.
ان العلاقة بين الاتحاد والاعراف سيكون لها انعكاسها على هامش المناورة المتوفر لحكومة الشاهد، وهو هامش بطبعه ضيق.