منبر: أولاد أحمد أنت المطلق ونحن النسبي

صديقك محمد ألأزهر العكرمي

كان لك الحق في عشرين سنة أخرى.. دون حاجة لتمد يدك لعمر أي كان لتستلف منه، أما وقد حدث ما حدث فلنطل على الأمر من الزاوية التي تعجبك يقينا...


الآن رجعت من توديعك والوقت ليل ، فعن لي أن استضيفك، أي أن أكتب لك ، أو عنك سيان..ما دامت المكنة الوحيدة المدفوعة برغبة جامحة، وصدر منقبض، وصورتك معلقة في الأفق المبين الذي يتحرك مع بصري فيجبرني على رؤيتك في شريط ثلاثي ألأبعاد، يمسح ما بين أول التسعينات وآخر أسبوعين مضيا وكنت ناولتني خلال اللقاء قطعة من كبد خروف مشوي مضغته على مضض لكي تأكل أنت...

أذكر عشرات المرات التي قلت لي فيها بتلك الحميمية البدوية، أني كاتب كسول..خجول ، وقدمتني لبعض الشخوص في فضاء وسط المدينة المشحون بأوهام التألق لدى أنصاف الشعراء، وشراح المتون الهزيلة بتلك الصفة، فأرفض على الفور لأقول لهم مباشرة أنا محام ولست كما يقول ...

أما ألآن وقد أقلعت طائرتك الافتراضية الى ألأبدية .. الى الهناك الذي بلا ملامح، الى الهيولى ألأولى .. وهذا بالطبع، ودون حد أدنى من الشك، أننا سنكمل من دون من كتب الوصية، والدعاء، وجنوب الماء، وليس لي مشكلة، وباقي الوجع النصي الذي نزل علينا من الطابق التاسع في ذلك الفضاء المعد أصلا لمنتسبي الجيش الوطني الشعبي، أي ذلك الفضاء الذي لا يختلف من حيث النظافة والانضباط عن الثكنات الا بما يفوح منه من روائح ألأدوية، وعواء ذلك الذئب الرمادي الذي صارعته بما يكفي من الارادة والشموخ والصدقية بين ما كنت تكتبه وتقوله في أيام العافية والزهو بالصحة وبين ما ذهبت اليه في أيام الاعتلال، والوهن، والنحول الذي يعمل بالمتوالية التصاعدية..

اكتب لك وعنك في آن..ليس من باب الرثاء، والتأبين والتعزية، والندب، والأسف، وحرقة الفراق، وانما من باب التكريم المحاط بحميمية ، وصدق القول ، كمن يدعو أحدا الى العشاء ويرفض حضور باقي الرفاق وألأصدقاء معتذرا بود، ولطف، ولاعتبارات قد لا يستطيع أن يجد لها لا التبرير، ولا التفسير...

محاكاة الشاعر أولاد أحمد أسلوبيا ولغويا ومعنويا

سأسعى لمحاكاتك من النواحي الأسلوبية واللغوية، والمعنوية، في هذا التكريم ذي الصبغة الشخصية، والخاصة أيضا، وأيضا كمن يعد في العشاء الذي قاربت به موقفي، وهو في الحقيقة استعارة لتطوير المعنى، المأكولات المخصوصة للمحتفى به، للاكرام، والتوقير، وتوفير ما أمكن من التبجيل ، والاحتشام ، والاسعاد ...

أنا على يقين مالح ، كما قلت أنت في الوصية، من أن «الحي كذاب» .. هي صيغة على كل حال حفظناها، وتعاملنا بها ، رغم أننا لم نحضر في نقاشها واقرارها، كما هو الأمر في ثلاثة ارباع ما نأكله ونقوله، ونستعمله، ونلبسه ..

واسمج لي الآن، وفيما سيأتي على الأرجح أن أقول أنك لست هنا بدل القول بأنك ميت .. أو أنك مت، في اليوم الفلاني، والمكان الفلاني أيضا وأن جنازتك كانت جنازة ايديولوجية، أعرف حساسيتك المفرطة للغة الى حد الاختناق أحيانا من كلمة، مفردة أو مفهوم لا يعجبك ...

أولاد أحمد الميت بالنسبة اليك كلمة نابية، وقلة أدب، لم تكن لتقبلها خارج سياقات المزاح السمج الذي ضمخ ليال لا حد لها ، وعليه فان عدم وجودك يمكن مقاربته بسفر من قطع تذكرة الى مكان بعيد يمنع من رؤيته. قف..

في هذه الحالة طبعا، لا يكون هناك لا ألم ولا حزن، ولا مرارة فما دامت كل الحقائق نسبية .. فان المطلق ذاته نسبي، أي بمعنى أن الزمن قد يأتي بما يحط من اطلاقه.. وتعال معي كمن يأتي مع المضيف خلال ذلك العشاء، العشاء الأخير اياه الذي مررنا به قبل قليل، ليكتشف خبايا لوحة معلقة على جدار في صالون البيت، للحبيب بوعبانه أو نجيب بلخوجة، أو ابراهيم

الضحاك أو غيرهم ممن لم يعودوا متواجدين الآن لترى أن وجودنا ذاته، ولجميعنا هو ما اتفقنا عليه نحن..والا ما معنى أن تكون موجودا خارج وجود من يشهد لك .....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115