الشغور والمصادقة على المجلة من قبل البرلمان من ناحية، وأيضا إصدار الأوامر والتشريعات الضرورية من قبل الحكومة من ناحية أخرى.
تأكد بصفة رسمية تأجيل أول انتخابات بلدية بعد الثورة، بعد القيل والقال منذ شهر جويلية الفارط بين الالتزام بموعد 17 ديسمبر وبين تأجيلها. الإعلان عن تأجيل الانتخابات البلدية جاء بعد سلسلة من المشاورات بين عدد من الأحزاب من بينها الأحزاب الثمانية التي نسقت فيما بينها من أجل الضغط على رئاستي الجمهورية والحكومة وهم كل من حركة مشروع تونس والحزب الجمهوري والبديل التونسي وآفاق تونس وتونس أولا وحزب العمل الوطني الديمقراطي وحزب الوطن الجديد وحزب المسار الديمقراطي. كما أن قرار التأجيل لم يكن تلبية لمطالب الفاعلين السياسيين فقط، بل أن عدم تهيئة المناخ الانتخابي البلدي من قبل مجلس نواب الشعب أولا من خلال استكمال سد الشغور صلب تركيبة مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ثم استكمال المصادقة على مشروع مجلة الجماعات المحلية. هذا العامل حال دون إجراء الانتخابات البلدية في موعدها المقرر، خصوصا بعد مطالب الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بضرورة المصادقة على المجلة قبل تقديم الترشحات للانتخابات البلدية التي كان من المفروض فتحها اليوم 19 سبتمبر حسب الروزنامة الانتخابية، بالإضافة إلى ربط رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إصدار الأمر الرئاسي المضبوط حسب الآجال القانونية يوم 17 سبتمبر، بدعوة الناخبين للاقتراع باستكمال عملية سد الشغور.
هل يمكن الالتزام بالموعد الجديد؟
العامل الثاني يتعلق أساسا بالسلطة التنفيذية، التي لم تتمكن من تركيز المحاكم الفرعية في كافة الدوائر الانتخابية، حتى تتمكن القائمات من تقديم الطعون إضافة إلى ذلك عدم تمكنها من إصدار الأوامر الترتيبية المتعلقة بالانتخابات البلدية. كل هذه العوامل حالت دون إجراء الانتخابات البلدية في وقتها المحدد، في ظل الصعوبات العملية والتقنية، بالرغم من تنبيهات عديد الأطراف السياسية وحتى داخل الحكومة من خطورة هذا التأخير وتداعياته المستقبلية. المهدي بن غربية الوزير المكلف بالهيئات الدستورية والعلاقة مع المجتمع المدني بين بدوره أن تأجيل تاريخ الانتخابات البلدية يعتبر رسالة سيئة، لكن في المقابل فإن الواقع الحالي يفرض هذا السيناريو. توقعات بالأسوأ من تأجيل الانتخابات وترك تاريخها غير محدد أو عدم الالتزام بالموعد الجديد، وهو ما عبرت عنه عديد الأحزاب خلال الاجتماع الذي جمع يوم أمس هيئة الانتخابات بممثلين عن رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب والأحزاب السياسية. الفاعلون السياسيون اتفقوا على تأجيل الانتخابات البلدية، لكن الخلاف الجديد اليوم يحوم حول التاريخ الجديد ومدى توفير المناخ من قبل السلطة التشريعية والتنفيذية قبل يوم 25 مارس 2018. لكن أعضاء الهيئة يعتبرون أن الوقت كاف، خصوصا بعد تأكيد عماد غابري رئيس وحدة الاتصال بالمحكمة الإدارية أن المحكمة جاهزة للانتخابات البلدية في تاريخ 17 ديسمبر من خلال تركيز الدوائر في الجهات.
اجتماع يوم أمس بين أعضاء الهيئة السبعة حدد مصير الانتخابات البلدية، هذا المصير الذي تم الإعلان عنه في اللقاء الذي جمعهم بالأحزاب وممثلين عن الحكومة ورئاسة الجمهورية. اللقاء خصص بالأساس لإقرار تأجيل الانتخابات البلدية والبحث عن اتفاق أولي حول كيفية الالتزام بالموعد الجديد. فبالرغم من تأكيد هيئة الانتخابات لجاهزيتها للاستحقاق البلدي، إلا أن مجلس الهيئة اعتبر أنه لا يمكن تنفيذ الروزنامة الانتخابية، لذلك تقرر تحديد تاريخ جديد للانتخابات البلدية أي أن يكون يوم 25 مارس 2018. هذا التاريخ لم يرق لممثلي الأحزاب المعارضة الذين اعتبروا أنه لا يمكن طرح موعد بديل دون تشاور او تنسيق، إلى جانب ضرورة التعهد أو الالتزام بعدم تأجيلها مرة أخرى. وفي هذا الإطار، قال النائب عن الجبهة الشعبية زياد لخضر أنه كان من الأفضل التشاور لتحديد الموعد الذي يليق بالانتخابات البلدية، والبحث عن كيفية تهيئة المناخ الانتخابي خصوصا في ما يتعلق بتحييد الإدارة، مشيرا إلى أن الجبهة منفتحة على كافة المقترحات، لكن في نفس الوقت لا يجب تحديد موعد مسبق حتى لا تكون الهيئة منحازة.
«لقد تم توفير كافة المتطلبات»
في المقابل، حاول ممثلو الحكومة ورئاسة الجمهورية إقناع الأحزاب السياسية بأنهم وفروا كافة الضمانات اللازمة لإنجاح الانتخابات البلدية والالتزام بموعد 17 ديسمبر، ولا يتحملون المسؤولية في هذا التأجيل. وبين الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني أن الحكومة حريصة كل الحرص على إجراء الانتخابات في اقرب الوقت، خصوصا وأنه تم توفير كافة مطالب للهيئة، إلى جانب إصدار كافة المشاريع الحكومية والأوامر الحكومية كسقف التمويل العمومي والخاص، وإصدار مشروع قانون يتعلق بمنح استثنائية للأعوان العموميين، بالإضافة إلى إصدار منشور رئيس الحكومة لمطالبتها بالحياد خلال المرحلة الانتخابية. كما بين بن غربية أن الحكومة سعت إلى توفير اللوازم المادية واللوجستية، حيث تم تركيز 12 محكمة في الجهات وانتداب 60 قاض، على أن يتم استكمال الدوائر الجهوية وتعيين رؤساء الدوائر.
بات من الضروري اليوم إيجاد روزنامة جديدة للانتخابات من قبل هيئة التوافق بالتنسيق مع الأحزاب خصوصا وأن العديد من الفاعلين السياسيين طالبوا بضرورة إعادة فتح باب التسجيل من جديد، دون تحميل مسؤوليات هذا التأجيل حسب ما بينته الجهات الرسمية. حيث أكد نور الدين بن تيشة مستشار رئيس الجمهورية أن رئيس الجمهورية يعتبر أن الانتخابات يجب أن تتم في اقرب وقت بعد ضمان نجاحها ومشاركة المواطنين فيها وذلك من خلال سد الشغور وانتخاب رئيس لها والتصويت على المجلة.
لن يتم تغيير الروزنامة الانتخابية..
من جهة أخرى، اعتبر مجلس نواب الشعب من خلال تصريح ناطقه الرسمي المنجي الحرباوي أن المجلس حريص على أن تتم الانتخابات في موعدها، حيث من المنتظر أن تتم المصادقة على مجلة الجماعات المحلية في أقرب الآجال، وسد الشغور خلال هذا الأسبوع. تدخلات الفاعلين السياسيين خلال اللقاء لم تأت بالجديد على مستوى أسباب تأجيل الانتخابات، لكن التحدي الآن في كيفية الالتزام بالموعد الثاني للانتخابات البلدية، واستكمال تهيئة المناخ الانتخابي في الآجال المحددة. هذا وأن تغيير موعد الانتخابات البلدية لا يعني بالضرورة إيقاف الروزنامة أو تغييرها حسب الرئيس المؤقت لهيئة الانتخابات أنور بن حسن بل أنه سيتم الإبقاء عليها وتعديلها، على أن تنطلق الترشحات في شهر جانفي 2018.
وضع خارطة طريق في ظرف 10 أيام
الأهم بالنسبة للأحزاب ليس في تحديد موعد الانتخابات، خصوصا وأن هذا التاريخ قابل للتعديل باعتباره تاريخا أوليا وليس نهائيا، بل يجب البحث عن كيفية استكمال مرحلة ما قبل الانتخابات ثم التوافق عن موعد نهائي حتى لا يعاد تأجيلها مرة أخرى. لكن في المقابل، اعتبرت بعض الأحزاب خصوصا منها المشاركة في الحكومة ضرورة تحديد موعد ثاني من الآن والالتزام به. وفي هذا الإطار، قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن التاريخ الجديد بات أمرا واقعا، حيث أنه في حالة عدم الخروج بموعد محدد وبقاء التأجيل إلى أجل غير مسمى من شأنه أن يضر بصورة تونس وأن يبعث برسالة محبطة، لذلك فإن الحركة توافق على التاريخ المقترح من قبل الهيئة.
في الأخير فقد حسمت المسألة في تأجيل الانتخابات البلدية، لكن يبقى المطلب الوحيد المقدم من قبل الأحزاب الذي تبنته الهيئة أيضا. ويتمثل هذا المطلب في تشكيل روزنامة خاصة بتهيئة المناخ الانتخابي أو تركيز خارطة طريق بما يتلاءم مع موعد الانتخابات الجديد من أجل الالتزام به وتعد الهيئة بذلك تصورا جديدا في مدة معقولة، لا تتجاوز 10 أيام. تصور الهيئة يجب أن يكون متماشيا مع خارطة الطريق التي يجب وضعها بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في ما يتعلق بتهيئة المناخ الانتخابي.