استعرض رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمام الجلسة العامة المخصصة لمنح الثقة لأعضاء الحكومة الجدد، بمجلس نواب الشعب يوم أمس تشكيلة حكومته وبرنامجه الحكومي للفترة القادمة. هذا الاستعراض جاء من خلال بيان ألقاه من الممكن تقسيمه إلى جزئين، الجزء الأول الذي حمل أسباب إجراء التحوير في علاقة بالمناصب الوزارية وكتابات الدولة الجدد. في حين اقتصر الجزء الثاني وهو الجزء الأكبر والمهيمن على خطاب الشاهد أهم انجازات الحكومة السابقة، ليمهد الطريق في ما بعد إلى تقديم جملة الإصلاحات والبرامج المنتظر تركيزها من خلال أعمال الحكومة القادمة.
التحوير الوزاري يأتي بعد مرور حوالي سنة من حصول حكومة الوحدة الوطنية على ثقة البرلمان، ويأتي هذا التحوير أيضا حسب الشاهد بناء على تقييم موضوعي لأداء أعضاء الحكومة في الفترة السابقة ومدى التقدم في تحقيق الأهداف المضمنة في اتفاق قرطاج. وقد حاول الشاهد إبراز أهمية هذا التحوير في عديد النقاط من بينها الحفاظ على روح الوحدة الوطنية، وتوسيع دائرة الوفاق السياسي من اجل تجاوز الصعوبات التي تمر بها البلاد، في محاولة منه لاقناع نواب الشعب بأهمية هذا التحوير في ظل بعض الانتقادات والتصريحات الرافضة لكثرة التغييرات على مستوى الحكومة في ظرف زمني وجيز.
حكومة «حرب»؟
حكومة «حرب»، هكذا وصفها الشاهد للمرة الثانية منذ الإعلان عن التحوير الوزاري ومبرزا في ذلك أين تكمن ملامح هذه الحرب. حيث اعتبر أنها ستكون حربا ضد الإرهاب والفساد، وكذلك حربا من أجل النمو وضد البطالة والتفاوت الجهوي. وفي هذا الإطار، شمل التحوير وزارتي الدفاع والداخلية، بما من شأنه أن يعزز مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وللتصدي للتهريب. وفي إطار تعزيز العمل على كسب المرحلة الاقتصادية وتجاوز الصعوبات التي تمر بها المؤسسات الصغرى والمتوسطة، تم إفراد قطاع الصناعة بوزارة، وتدعيمها بكتابة دولة، بالإضافة إلى إحداث كتابة دولة للتجارة الخارجية ستعمل على دفع التصدير بما يمكن من التقليص في عجز الميزان التجاري. كما تم إحداث كتابة دولة لدى وزير الشؤون الخارجية تعنى بالدبلوماسية الاقتصادية التي ستمكن من البحث عن أسواق جديدة للمنتوجات التونسية والترويج لتونس كوجهة استثمارية تنافسية، ثم تعيين وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى، بهدف تطبيق الإصلاحات الهيكلية على أرض الواقع.
في أسباب التحوير
أسباب التحوير الوزاري حسب الشاهد تتلخص بالأساس في متطلبات المرحلة بعيدا عن منطق المحاصصة الحزبية واقتسام الكعكة أو من أجل إدخال تغييرات جزئية كانت أو جذرية على الائتلاف الحكومي. حيث سعى الشاهد إلى إبراز أهمية المناصب الوزارية الجديدة في علاقة بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي ستكون من أولويات المرحلة القادمة، حيث قدم رئيس الحكومة فريقه الحكومي في علاقة بأسباب تعيينهم حسب المناصب الجديدة المحدثة في حكومته، حيث اعتبر أنه تم تعيين شخصيات مشهود لها بالكفاءة والخبرة في مجال اختصاصها، قادرة على تقديم الإضافة من خلال درايتها بالقطاعات والملفات التي عهدت إليها وتكون مركزة على أولويات المرحلة القادمة التي تم ذكرها سابقا.
أهم انجازات الحكومة..
على عكس الخطابات السابقة في جلسات منح الثقة، فقد ركز الشاهد هذه المرة تركيزا تاما ومطلقا على الملف الاقتصادي أكثر من أي موضوع آخر. حيث تمحور الجزء الثاني من خطاب رئيس الحكومة على مسامع نواب الشعب، تقديم بعض التعهدات والمقترحات من أجل النهوض بالاقتصاد على المدى القريب أي قبل سنة 2019 بالرغم من تأكيده أن الصعوبات الاقتصادية الحالية لا يمكن معالجتها في وقت قصير بل على مدى المتوسط أو بعيد المدى. وفي هذا الإطار، انطلقت الحكومة خلال سنة 2017 في القيام بإصلاحات هيكيلة كإصلاح الصناديق الاجتماعية الذي سيكون جاهزا قبل نهاية السنة الحالية، بالإضافة إلى توفير للظروف الملائمة لتحسين نسق النمو. هذا وقد حاول الشاهد إبراز نجاحات حكومته السابقة من خلال تقديمه لبعض المؤشرات الايجابية سواء في ما يتعلق بالاستثمار الخارجي المباشر الذي بلغ في السبعة الأشهر الأولى لهذه السنة بـ 6.7 %، مع تطور نوايا الاستثمار في القطاع الصناعي بـ 22%، وفي قطاع الخدمات بـ 67 % والقطاع الفلاحي بـ 68 %. كما تم تسجيل ارتفاع في إنتاج الفسفاط بـ 34 %، إلى جانب تطوير الصادرات بنسبة 18.1 % مقارنة بسنة 2016، وقد ارتفعت المداخيل السياحية بنسبة 22.1 %، وارتفاع في المداخيل الجبائية بـ 15.1 %.
أولويات اقتصادية بامتياز
هذا التحسن سيكون بمثابة الطريق إلى أفق سنة 2020، التي ستكون حسب الشاهد سنة تعافي المالية العمومية وتفعيل نسق النمو للاستجابة إلى طلبات التشغيل، حيث تمكنت الحكومة في مرحلة أولى من تشخيص استثمارات جملية بحوالي 5200 م.د يمكن تنفيذها خلال الثلاث سنوات القادمة في صيغة لزمات ومشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص وشركات مؤسساتية. كما أكد الشاهد انه تم تقديم ملامح الإصلاحات الكبرى وبرامج دفع النمو الاقتصادي إلى الأحزاب والمنظمات من اجل إثرائها، حيث يحمل 4 نقاط أساسية وهي الحفاظ على العجز العمومي والخارجي في مستوى مقبول والتحكم في نسب التضخم، ثم استقرار مستوى المديونية، إلى جانب التحكم في كتلة الأجور، وأخيرا الترفيع في نسبة النمو.
ومن أهم الإصلاحات التي يجب الانطلاق فيها مباشرة مع انطلاق التشكيلة العمومية في أعمالها الإصلاح الجبائي، التحكم في كتلة الأجور والتوقف عن الانتداب العشوائي، تحسين الخدمات العمومية، إصلاح منظومة الصناديق الاجتماعية من خلال الترفيع في سن التقاعد ومراجعة الأجر المرجعي ومردودية سنوات العمل وصيغ التعديل في الجراية، ثم الترفيع في نسب المساهمات الاجتماعية. حزمة الإصلاحات تشمل أيضا تطوير وحوكمة المؤسسات العمومية من خلال وضع برنامج خاص بها، وكذلك العمل على وضع خطة لإصلاح منظومة تمويل الاقتصاد، وإصلاح منظومة دعم المواد الأساسية. لكن في المقابل، فان نجاح تنفيذ هذه الإصلاحات رفقة تنفيذ المنوال التنموي الجديد يستوجب السماح بفتح حسابات بالعملة الصعبة، من خلال إحالة مشروع قانون في الغرض على أنظار مجلس نواب الشعب، حيث يتضمن أحكاما تتعلق بتسوية وضعيات التونسيين المقيمين الذين لهم أموال في الخارج. كما سيتم العمل على مراجعة عدد من التراخيص الإدارية التي تحولت إلى عائق للاستثمار، ثم إحداث آلية لضمان إعادة هيكلة المؤسسات الصغرى والمتوسطة الخاصة التي تواجه صعوبات مالية، من خلال إحداث صندوق لإعادة جدولة القروض متوسطة وقصيرة الأجل وتمويل الاستثمارات المادية واللامادية لإعادة الهيكلة.