الملاحظة الأبرز في نوايا التصويت لشهر أوت هي مواصلة الصعود القوي ليوسف الشاهد الذي يربح في شهر واحد حوالي أربع نقاط (3.7) وأصبح الآن قاب قوسين أو أدنى من صاحب الطليعة الباجي قائد السبسي (%20.4 مقابل %18.3)..ويبدو أن هذا الثنائي قد أحدث الفارق بصفة تكاد تكون نهائية مع ملاحقيه إذ لا يتحصل صاحب المرتبة الثالثة المنصف المرزوقي إلا على %9.9 من نوايا التصويت..
نذكر مرة أخرى بأننا لا نقدم في نوايا التصويت هذه أية مقترحات وأي أسماء فالإجابات كلها تلقائية ولهذا تكون القائمة الاسمية الكاملة طويلة نسبيا ولكن الملاحظ أنّنا مازلنا تحت وطأة معادلة سنة 2014 حتى الصعود القوي ليوسف الشاهد ليس بخارج عنها..
فلو نجمع نسبتي قائد السبسي والشاهد (%38.7) فسنجد تقريبا النسبة التي تحصل عليها مرشح نداء تونس في الدورة الأولى لرئاسية 2014..
أما تأخر المرزوقي عن المستوى الذي تحصل عليه حينها فيعود بالأساس إلى الابتعاد النسبي للقاعدة النهضوية عن الرئيس السابق..
ولكن لا ننسى أننا مازلنا بعيدين عن هذا الموعد وان الحملة الانتخابية وما سيرافقها قد تغير الكثير من المعطيات..
نذكر هنا كذلك بأننا أمام وضعية افتراضية إذ لا شيء يدفع نحو تصور منافسة مباشرة بين راسي السلطة التنفيذية اليوم ولكن على افتراض حصولها فالمنافسة ستكون شديدة جدا بين الباجي قائد السبسي رئيس الدولة والرئيس الشرفي لنداء تونس ويوسف الشاهد رئيس الحكومة وصاحب النجم الساطع هذه الأسابيع الأخيرة.. وهذا يعني أن نصف ناخبي الباجي قائد السبسي في 2014 مستعدون اليوم لتغيير وجهتهم لو ترشح الشاهد لهذا الاستحقاق الانتخابي...
فالباجي قائد السبسي كان رمز مكاسب تونس الحديثة في 2014 ويوسف الشاهد أضحى عند هؤلاء رمز مقاومة الفساد..
لقد أنجزنا جلّ عملية نوايا التصويت قبل الحوار الصحفي لراشد الغنوشي على قناة نسمة وبالتالي لا يمكننا الحديث الآن عن انعكاسات تصريحاته على التوازنات الحالية ..فهذا ما سنكتشفه في نوايا التصويت لشهر سبتمبر..ولكن نقول الآن بأن الغنوشي، ببدلته القديمة ، مازال بعيد جدّا عن المراتب الأولى (المرتبة التاسعة بـ%3.4 من نوايا التصويت ).
إلى حدّ الآن لا وجود لأسماء جديدة تذكر مقارنة بما ساد في 2014 ولكن المهدي جمعة الذي كان يتصدر نوايا التصويت آنذاك (رغم عدم ترشحه للانتخابات ) لم يتمكن من تجديد هذه النتائج ومازال إلى حد الآن لم يبلغ بعد عتبة %5 التي تجعل منه منافسا ثانويا هاما..
ولكن وضع المهدي جمعة أفضل نسبيا من وضع محسن مرزوق الذي لم يتمكن بعد من إقناع جزء من الرأي العام بقدرته على أن يكون مرشحا بارزا لقصر قرطاج..
لسنا ندري هل سيتواصل صعود يوسف الشاهد أم لا فهذا يخضع لكيمياء معقدة جدا لعلّ أهمها بقاؤه في السلطة من عدمها إذ باستثناء الباجي قائد السبسي كل من غادر السلطة إلى حد الآن فقد الكثير من بريقه ..ولكن حتى البقاء في السلطة لا يعني استمرار الشعبية فجل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية هي أمام الحكومة لا وراءها..
نقاط قوة وضعف يوسف الشاهد تتناغم طردا مع حماسة مختلف الفئات الاجتماعية والتعليمية والجهوية والعمرية والجندرية للحرب على الفساد من عدمها ولهذا نراه الأول في ولايات الوسط الشرقي وصفاقس وتونس الكبرى في حين يحقق نتائج متواضعة في الجنوب والولايات الغربية كذلك..
قوة الشاهد في الطبقة المرفهة والوسطى العليا بينما نرى نتائج متواضعة في الطبقة الشعبية وكذلك عند النساء وأيضا عند الشباب وهذه المفارقة تونسية فالباجي قائد السبسي يتفوق بوضوح في فئة الشباب بينما تعود الغلبة ليوسف الشاهد في فئة الشيوخ..
كما أن الشاهد يبزّ صاحب قرطاج عند أصحاب مستوى التعليم العالي بينما يتخلف كثيرا عنه عند الأميين.
هذه صورة وقتية للتوازنات السياسية اليوم عبر نوايا التصويت في البلدية والتشريعية والرئاسية ..صورة وان حافظت على المعادلة السياسية ل2014 إلا أنها أدخلت عليها عناصر جديدة على المستوى الحزبي وخاصة على مستوى الشخصيات ..
ولكن المعلوم في الديمقراطية أن الفائدة ليست في نوايا التصويت بل في تجسيمها يوم الاقتراع ..