بعد تأكيده للالتزامات والوعود التي قدمها في خطاب منح الثقة سابقا، وذلك من خلال تقديم خطته في مكافحة الفساد والتي يبدو أنها أثبتت نجاحها إلى حد الآن على المستوى القضائي والإداري والاقتصادي.
انطلقت الجلسة العامة المخصصة للحوار مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد حول موضوع مكافحة الفساد والوضع العام بالبلاد بحضور رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، وذلك بحضور 155 نائبا. جلسة عامة تأتي على خلفية حملة الحكومة من أجل محاربة الفساد والإيقافات الأخيرة لعدد من المتورطين في جرائم فساد وتبييض أموال منذ 24 ماي الفارط. الجلسة العامة أعطت الفرصة للشاهد من أجل استعراض انجازات حكومته وما قدمه من وعود سابقة في جلسات عامة سابقة.
الجلسة العامة خصصت بالأساس لمناقشة مختلف جوانب هذه الخطة حسب ما أكده رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر من خلال كلمة ألقاها في افتتاح الجلسة، حيث اعتبر أن المجلس يدعم الحكومة في توجهها هذا، لكنه في نفس الوقت يتطلع لمعرفة ومناقشة مختلف جوانب الخطة وتداعياتها باعتبار أن مقاومة الفساد هو هدف تلتقي فيه اهتمامات السلطتين التشريعية والتنفيذية. محاربة الفساد تعتبر من أهم النقاط التي جاءت في وثيقة قرطاج قبل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وهو ما جعل رئيس الحكومة يوسف الشاهد في خطاب منح الثقة يوم 26 أوت 2016 أمام البرلمان يخصص جزءا هاما لهذا الموضوع. خطاب منح الثقة استغله الشاهد يوم أمس من أجل تأكيد التزاماته ووعوده التي أطلقها، حيث اعتبر أن حكومته طبقت تقريبا خارطة الطريق في أقل من سنة منذ انطلاق الحكومة في أعمالها على غرار مكافحة الفساد والتهريب والتجارة الموازية، معتبرا أن هذه الجلسة فرصة لتعميق الحوار حول موضوع له تأثيرات عدة على مستقبل البلاد من جميع الجوانب.
عودة الثقة بين المواطن والدولة
رئيس الحكومة حاول خلال الجلسة العامة توضيح عديد المغالطات والشائعات، بخصوص حملة الإيقافات في ظل وجود بعض التشكيكات والانتقادات، حيث اعتبر أن تونس تمر بحرب حقيقية في مكافحة الفساد الذي انتشر بشكل كبير، وهو ما أثبتته التقارير الدولية والوطنية. انتشار ظاهرة الفساد والإفلات من العقاب ساهمت بشكل كبير في فقدان المواطنين لثقتهم في الطبقة السياسية والحكومة، على غرار أن هذه الآفة تسببت في نخر دعائم الاقتصاد الوطني والوحدة بين مختلف المواطنين وهو ما يهدد الدولة خصوصا وأن التهريب والفساد مرتبطا ارتباطا شديدا مع الإرهاب.
أسباب عديدة تقف وراء انطلاق الحكومة في تنفيذ خطتها من أجل مكافحة الفساد، من بينها حسب الشاهد عودة الثقة بين الدولة والشعب، حيث يجب على الدولة أن تكون عادلة من خلال تطبيق القانون على الجميع وكافة فئات المجتمع دون تمييز. وفي هذا الإطار، أكد الشاهد أن شعار الحكومة اليوم «لا حصانة لأي كان»، حيث سيتم محاسبة كل شخص أخطأ في حق المجموعة الوطنية دون انتقائية أو تمييز مثلما يدعي البعض الذين اتهمهم أيضا بالتستر على الفاسدين. كما أنها في نفس الوقت ليست حملة ممنهجة ضد رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات أو حملة تصفية ضد خصوم سياسيين، حيث شدد الشاهد على أن الحملة ستكون ضد الفاسدين منهم وأي شخص تحوم حوله شبهات فساد من مهربين ومتهمين بجرائم صرف وتبييض أموال.
توفير الأرضية القانونية
حرب طويلة المدى وليست انتقائية، هكذا وصفها رئيس الحكومة موجها في ذلك رسالة صريحة للجميع بأن الغطاء السياسي والحصانة لن يكونا السبيل من أجل الإفلات من العقاب، وهو ما يستوجب ضرورة اتخاذ إجراءات استثنائية مع الحرص الشديد على تطبيق القوانين والتشاريع الجاري العمل لها، لذلك تمت إحالة كافة الملفات تقريبا على القضاء من أجل البت فيها. محاربة الفساد ليست حلقة وحيدة بل هي سلسلة متعددة الجوانب على المستويات التشريعية والتنفيذية والقضائية، معتمدة على الخطة الوطنية لمكافحة الفساد التي شاركت في صياغتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. لكن في المقابل، يجب العمل على توفير الأرضية الملائمة من أجل إنجاح هذه الخطة وذلك من خلال سن التشريعات الضرورية التي ستسهل عمل القضاء بطبيعة الحال وذلك من اجل سد الفراغ التشريعي الذي شجع على تنامي ظاهرة الفساد في تونس. وفي هذا الإطار، بين الشاهد أن الحرب على الفساد يجب أن تتوفر فيها الأسلحة الضرورية أهمها الترسانة التشريعية، وذلك من خلال أربعة قوانين هامة تتمثل بالأساس في قانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد المصادق عليه أول أمس من قبل مجلس نواب الشعب، ثم مشروع القانون المتعلق بالتصريح على المكاسب ومكافحة الاثراء غير المشروع ويهدف الى تحديد اصناف الاشخاص الملزمين بالتصريح على المكاسب. ومن القوانين الأخرى قانون حماية المبلغين عن الفساد بهدف تشجيع المواطنين للابلاغ على حالات الفساد، وقانون القطب القضائي المالي والذي جاء على خلفية الحجم الكبير من القضايا يحتاج ضرورة الى تفرغ القضاة من أجل النظر في كافة الملفات، على أن يتم إصدار كافة النصوص الترتيبية في القريب العاجل من أجل تحسين ظروف عمل القضاة في القضاء الإداري والعدلي والمالي، ثم تركيز محاكم جديدة في مختلف أنحاء الجمهورية.
من جهة أخرى، فإن محاربة الفساد لا تقتصر أيضا على الجانب القضائي فقط، بل يجب العمل على إصلاح الإدارة العمومية بما يدعم بناء الدولة العادلة، خصوصا بعد استكمال إجراءات دخول القانون الأساسي المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة خاصة بعد انتخاب أعضاء الهيئة الخاصة بها. وقد اعتبر الشاهد أنه يجب العمل على تبسيط الإجراءات الإدارية المنظمة لممارسات الأنشطة الاقتصادية، بالإضافة إلى مشروع الإدارة الالكترونية الذي يهدف إلى حوكمة الإدارة ودعم التعامل اللامادي مع الإدارة ومراقبة أدائها، بالاضافة إلى تحسين التشريعات في الصفقات العمومية والمعابر الحدودية
ثبوت التهم..
وبهدف تدعيم خطة الحكومة وإقناع نواب الشعب بمدى فعاليتها على أرض الواقع، سعى رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى تقديم بعض الانجازات الأخيرة في مقاومة الفساد والتهريب من خلال تقديم بعض الأرقام والإحصائيات على مستوى الحجوزات والمداهمات الأمنية وتفكيك مجموعة من شبكات الفساد المختصة في التهريب وتبييض الاموال، منذ شهر سبتمبر 2016 إلى غاية شهر جوان 2017. ومن خلال هذه الاعمال تم تحديد عدد من رؤوس التهريب وثبوت التهم، صدرت في حقهم قرارات إدارية بالوضع قيد الإقامة الجبرية، حيث حجزت لديهم بضائع ومبالغ بالعملة الصعبة بقيمة 700 مليون دينار، وقدمت في شأنهم إلى حد الآن طلبات إدارية إلى المحاكم قدرت بـ 2700 مليون دينار.
خطاب رئيس الحكومة ولئن أقنع نوعا ما نواب الشعب الذي عبروا عن رضاهم مما قدمه، فإنه أفرز ردود فعل متباينة.