بات التعامل مع ملف وزير التربية ناجي جلول خاضعا لازدواجية المعلن والمستبطن، فالملف الذي ظل لأكثر من أربعة أشهر على طاولة الأطراف الفاعلة فيه وجد طريقه للحل، لكن بشكل غير رسمي وبعيدا عن الإعلام والإقرار الصريح من الفاعلين، الذين يتعاطون مع الملف بمقاربة مختلفة لكنها تتقاطع في مسألة مغادرة جلول. فبقاء جلول على رأس وزارته إلى حين انتهاء السنة الدراسية، بات أمرا محسوما من قبل الحكومة التي لن تغيير موقفها رغم استمرار الاحتجاجات، وأخرها ما حدث يوم امس بالكريب ضد موكب الوزير الذي اضطر للمغادرة تحت وقع الاحتجاجات التي قادها الفاعلون في الشأن التربوي.
احتجاجات لا تهدف إلا إلى إبلاغ رسائل واضحة للحكومة وجلول، مفادها ان بقاءه وان ضمن من الحكومة إلى غاية الانتهاء من السنة الدراسية، فانه لن يجد الترحيب من المربين والعاملين في التربية، الذين قاطعت 9 نقابات من أصل عشرة الوزير وأنشطته.
فالنقابات وبعد التصعيد الذي قادته، وخاصة نقابة التعليم الثانوي ضد الوزير بالتلويح بتعليق الدروس في مارس الفارط، إن لم تستجب الحكومة لمطلبهم، انتهوا إلى العمل بتوصيات المركزية النقابية، عدم الذهاب الى تعليق الدروس مهما كان المبرر وترك ملف ناجي جلول بيدها هي ورئيس الحكومة.
فالمركزية النقابية التي قال الرجل الاول فيها، نور الدين الطبوبي في حوار مع «المغرب» انه يأسف لوجود ناجي جلول كوزير في تونس، بسبب ما اعتبره «عقلية وشخصية» غير مقبولة، له مقاربة تقوم على عنصرين، عدم بقاء الوزير وعدم الذهاب الى سنة دراسية بيضاء، المح في تصريحه انها لن تكون بسبب نضج المربين ووطنيتهم. نضج ووطنية هما الكلمتان اللتان استخدمهما الطبوبي ليعلن ان نقابات التعليم لن تذهب الى سياسة الارض المحروقة التي شعارها «اما سنة دراسية بيضاء او اقالة جلول» بل ستستمر في نهجها الاحتجاجي ورفع ذات المطلب دون الوصول الى الخط الاحمر الذي رسمته المركزية النقابية.
الخط الاحمر، أقنعت به المركزية النقابيين ليس فقط لان فيه ضررا لصورة الاتحاد واقحامه في صدام مع الشارع، بل فيه تسريع باقالة جلول، حيث ان المكتب التنفيذي كما الحكومة يعتبرون ان كل تصعيد من النقابات تقابله مناورات سياسية من الوزير وتصعيد مما يجعل عملية اقالته اصعب، لذلك فهي تخير ان تعالج الملف في ظل مناخ هادئ لسحب أوراق جلول الذي بات يدرك ان استمرار الازمة القائمة سيكون في صالحه ويؤجل اقالته.
وهذا مضمون الاتفاق الضمني بين الاتحاد والحكومة وبين المركزية والنقابات العامة، بقاء جلول إلى نهاية 30 جوان القادم على ان لا يكون في الوزارة في مطلع السنة الدراسية القادمة، وفي هذا تعهد من رئيس الحكومة الذي اقنع الطبوبي بان الوزير بات عبئا على الحكومة أكثر مما هو عبء على الاتحاد.
بدورها أقنعت المركزية هياكلها الوسطي بالترغيب والتلويح بالعصا بمقاربتها لملف جلول، ومفادها الاستمرار في الاحتجاجات دون خفض للنسق أو الرفع فيه وترك إدارة الملف بيدها لضمان مغادرة الوزير لمنصبه، وهذا نصف المقاربة التي تقوم أيضا على رفض اي تصعيد يتجاوز الخطوط المرسومة من قبل الاتحاد، وهي اجتياز السنة الدراسية الجارية بسلام، دون اي تصعيد او شوشرة عليها حتى وان وقع الاستفزاز من قبل الوزير.
مقاربة لن يتبناها اي طرف في تصريحه الرسمي، لكن في الكواليس وفي حال عدم ذكر الاسماء يتحدث الجميع عن تفاصيلها، ومنها ترك عملية الاخراج بيد الهيئة الادارية لنقابة التعليم الثانوي، اي ان تصعد النقابة في خطابها ولها ان تعلن الاضراب لمدة لا تتجاوز 3 ايام لكن لا اعلان لتعليق الدروس، ويقدم القرار على انه نابع من النقابيين، حتى وان كان تحت تأثير القيادات المركزية.