خاص: نوايا التصويت للانتخابات البلدية

في أوّل سبر آراء لنوايا التصويت بعد تحديد موعد الانتخابات البلدية
31 ٪ لن يصوّتوا - 30 ٪ لا يعرفون لمن سيصوّتون
قراءة وتحليل زياد كريشان


في أول عملية سبر آراء بعد تحديد الموعد النهائي للانتخابات البلدية من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (17 ديسمبر 2017) نكتشف أن التوازنات السياسية الموروثة عن انتخابات 2014 مازالت قائمة في جوهرها: النداء في الطليعة تليه النهضة والاثنان معا يمثلان حوالي ثلثي نوايا التصويت المصرح بها... وبعيدا عنهما تأتي الجبهة الشعبية فآفاق فالتيار الديمقراطي...

ولكن المعطى الأبرز في سبر الآراء هذا هو النسبة المرتفعة جدا لمن يقولون بأنهم سيقاطعون التصويت (31 ٪) وأولئك الذين لا يعرفون لمن سيصوتون (30 ٪) وإذا ما أضفنا لهم من يرفضون الاجابة نصل إلى 62 ٪ من مجموع العينة، أي أن نوايا التصويت المصرح بها لكل الأحزاب لا تتجاوز 38 ٪ من الجسم الانتخابي فقط...

ثمانية أشهر وأيام قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات البلدية الذي أعلنت عنه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (17 ديسمبر 2017) أي 252 يوما فقط على صناديق الاقتراع والعنصر اللافت الأساسي في أول سبر آراء نجريه بعد تحديد هذا الموعد لمعرفة نوايا التصويت كما يعتبر بحق أهم لحظة انتخابية لتجسيم روح ونص الدستور هو العزوف الكبير لجزء هام من المواطنين أو حيرتهم أمام العرض السياسي الراهن بما يعطينا رقما مفزعا إلى حد كبير: فقط 38 ٪ من العينة عبّروا عن نوايا تصويتهم...

ولعله من المفيد هنا أن نعطيكم فكرة عن تشكيل هذه العينة: 2560 شخصا يتجاوز سنهم 18 سنة يتوزعون على كل ولايات الجمهورية سواسية (أكثر من 100 شخص / ناخب في كل ولاية) بما يعطينا صورة أولية وتقديرا عن نوايا التصويت في كل ولاية بصفة اجمالية ثم قمنا على مستوى احتساب المعدل الوطني بالملاءمات الاحصائية الضرورية حتى تكون العينة معبرة عن البلاد بأسرها...

التوزيع الجغرافي للعزوف عن التصويت
لو جمعنا الاجابات الثلاث التالية: لن أصوت ولا أعرف لمن سأصوت وأرفض الاجابة عن السؤال سنتحصل على 62 ٪ من مجموع المستجوبين كمعدل وطني...

ولاية وحيدة تنزل فيها هذه النسبة تحت النصف وهي ولاية بن عروس (49٫5 ٪) بينما تتجاوز هذه النسبة 70 ٪ في ست ولايات وهي القيروان (70٫4 ٪) والقصرين (70٫6 ٪) ومنوبة (71٫6 ٪) والمهدية (73٫3 ٪) وسليانة (73٫3 ٪) والكاف (73٫6 ٪).

وفي ولاية القيروان نجد أرفع نسبة لمن يقولون أنهم لن يصوتوا في الانتخابات البلدية (39 ٪) بينما تكون أدناها في ولاية القصرين (17٫3 ٪) ولكن في ولاية القصرين نجد أرفع نسبة وطنية في التردد (51٫3 ٪).

عندما نقتصر على نوايا التصويت المصرح بها نجد التوازنات السياسية الموروثة عن الانتخابات التشريعية لأكتوبر 2014... مع العلم أن اجابات العينة تلقائية ولا تقترح عليهم أية أحزاب أو شخصيات...

فنداء تونس يبقى محافظا على الصدارة وبنسبة 35٫8 ٪ لا تبتعد كثيرا عما حصل عليه في 2014 وان كان قد خسر حوالي 200٫000 ناخب..

النهضة حسنت من نسبتها المئوية وشارفت على 30 ٪ (29٫7 ٪) مع محافظتها تقريبا على نفس قاعدتها الانتخابية...

وهذان الحزبان المتنافسان المتحالفان يمثلان معا، تماما كما في سنة 2014 حوالي ثلثي الناخبين وهما متقدمان كثيرا عن كل الأحزاب الأخرى...

الجبهة تحسن من أدائها مقارنة بسنة 2014 وتقفز إلى المرتبة الثالثة بـ 7٫6 ٪ ولكنها لم تحقق بعد النقلة النوعية التي تراهن عليها والتي تجعلها حزبا يتنافس بصورة جدية على المراتب الأولى.

جبهة الانقاذ والتقدم المتكونة حديثا تأتي في المرتبة الرابعة بـ 5٫4 ٪ من الأصوات.. وفي الحقيقة التصويت التلقائي كان أساسا لمكونيها الأساسيين: حركة مشروع تونس 2٫7 ٪ والوطني الحرّ 2 ٪ بالاضافة إلى من أعلن نية تصويته لجبهة الانقاذ (0٫7 ٪) وقد عمدنا لهذا الجمع لكي نرى الوزن الحالي لهذه المبادرة الحزبية الجديدة...

ويبدو أن آفاق تونس قد استفاد من عقد مؤتمره فحصل على نسبة هامة بالنسبة له (5٫2 ٪) ويختم التيار الديمقراطي قائمة الأحزاب التي تجاوزت عتبة 3 ٪ بـ 3٫3 ٪.

وللتذكير فإن القانون الانتخابي للمجالس البلدية والجهوية يضع عتبة بـ 3 ٪ يعني أن القائمة التي لا تتجاوز هذه العتبة لا تٌحتسب في توزيع المقاعد وهذا ما يقلل كثيرا من حظوظ كل الأحزاب التي لا تتجاوز هذه العتبة وطنيا للحصول على مقاعد في المجالس البلدية القادمة...

ولئن تمكنت جبهة الانقاذ للتقدم من الحصول على المرتبة الرابعة وهي مرتبة ونتيجة دون طموحات مكوناتها بكثير، إلا أن الحزب الجديد الذي أسسه المهدي جمعة رئيس الحكومة الأسبق (البديل التونسي) لم يتمكن - إلى حد الآن - من الاقلاع الجيّد ومن احتلال مكانة مرموقة بل ظلّ دون 1 ٪ من نسبة مجموع نوايا التصويت...

الخلاصة من كل هذا أننا مازلنا في نفس المعادلة السياسية الموروثة من انتخابات 2014 وأن الانهيار الانتخابي لنداء تونس الذي توقعه البعض لم يحصل بعد رغم تراجع شعبيته والانحسار النسبي لقاعدته الانتخابية... فالبلاد مازالت محكومة بازدواجية قطبية ومن نفس الحزبين كذلك وأن كل المبادرات الأخرى بقديمها وجديدها لم تتمكن، إلى حدّ الآن من كسر هذا الاستقطاب الثنائي.

• في السوسيولوجيا الانتخابية لتونس
يتكون الجسم الانتخابي لمن لديهم نية التصويت بأغلبية رجالية واضحة (58٫9 ٪) للرجال مقابل 41٫1 ٪ للنساء).

ولعل نداء تونس هو أكثر حزب منسجم مع هذه النسبة بينما نجد الصبغة الذكورية أرفع بقليل عند النهضة وتصل عند الجبهة الشعبية إلى 66٫6 ٪.

أما النسبة النسائية فهي الطاغية عند جبهة الانقاذ والتقدم (63٫6 ٪ للنساء) وكذلك عند التيار الديمقراطي (58٫3 ٪) بينما يقترب حزب آفاق من المعدلات الوطنية.

من الناحية الاجتماعية الطبقة الشعبية هي الأكثر عزوفا عن التصويت اذ تمثل 38 ٪ من الجسم الانتخابي الخام ولكنها لا تمثل إلا 26 ٪ عند الذين لديهم نية التصويت وعلى العكس من ذلك نجد أن الطبقة الوسطى العليا (كبار الموظفين والجامعيين والمهن الحرة) هي أكثر الفئات الاجتماعية رغبة في التصويت اذ ينتقل وزنها من 24 ٪ عند الجسم الانتخابي الخام إلى 32٫4 ٪ بالنسبة لمن ينوون التصويت...

الطبقة الشعبية هي الأكثر تصويتا لنداء تونس وبدرجة أقل لحركة النهضة.

أما عندما نرى السلوك الانتخابي للطبقة المرفهة وللطبقة الوسطى العليا فنجد أن هاتين الشريحتين هما المهيمنتان في القاعدة الانتخابية لآفاق تونس (61٫4 ٪) ويليها في ذلك التيار الديمقراطي (53٫8 ٪) ثم الجبهة الشعبية (49٫3 ٪).

فالتصويت الشعبي موجه أساسا للنداء وللنهضة وبدرجة أقل لجبهة الانقاذ والتقدم أمام تصويت النخب فيذهب إلى الجبهة الشعبية والتيار الدمقراطي وآفاق تونس.

نفس هذا التقييم نراه عندما يتعلق الأمر بالمستوى التعليمي... فالأميون يمثلون في شريحة الناخبين المفترضين 19٫3 ٪ ولكن تنزل هذه النسبة إلى 1٫9 ٪ فقط عند المعبرين عن نيتهم في التصويت... على العكس من ذلك تماما اذ لا يمثل أصحاب المستوى الجامعي إلا ثمن الناخبين (12٫1 ٪) ولكنهم يزنون أكثر من الثلث (37٫2 ٪) عند العازمين على التصويت...

وبحكم القاعدة الشعبية للنداء وللنهضة نجد أن الجزء الطاغي في قاعدتهم الانتخابية (دون النصف بقليل) هم من أصحاب مستوى التعليم الثانوي وكذلك الأمر بالنسبة لجبهة الانقاذ والتقدم أما أصحاب التعليم العالي فيمثلون الثقّل الانتخابي الأساسي عندالجبهة الشعبية (50٫7 ٪) وآفاق تونس (56٫8 ٪) والتيار الديمقراطي (61٫1 ٪)...

التوزيع العمري للقاعدة الانتخابية لهذه الأحزاب طريف جدا اذ نجد غلبة الشيوخ ( فوق 60 سنة) عند جبهة الانقاذ والتقدم (27٫9 ٪) تليها الجبهة الشعبية (21٫1 ٪) فنداء تونس (20٫5 ٪) أما الحزب الأكثر شبابا (ما بين 18 و29 سنة) فهو آفاق تونس (27٫3 ٪) ونداء تونس (23٫4 ٪) والنهضة (20٫4 ٪) بينما يتقدم على الجميع التيار الديمقراطي في فئة الكهول ( 30 - 44 سنة و 45 - 59 سنة) بتحقيقه 30٫6 ٪ و 44٫4 ٪ أي أن ثلاثة أرباع قاعدته الانتخابية من الكهول...

من الناحية الجهوية نجد أن تونس الكبرى (تونس وبن عروس وأريانة ومنوبة) تمثل ضعفا نسبيا للنهضة وللنداء معا في حين تشكل هذه الولايات نقطة قوة التيار الديمقراطي...

وتبقى نقاط القوة الأساسية للنداء في ولايات الشمال شرقيها وغربيها ويسجل تراجعا طفيفا في ولايات الساحل الثلاث (سوسة والمنستير والمهدية) بينما تحافظ حركة النهضة على معاقلها التقليدية في الجنوب مع تراجع نسبي في قفصة...

فحركة النهضة تحتل المرتبة الأولى في 9 ولايات وهي قبلي وتوزر وتطاوين ومدنين وقابس والقصرين وصفاقس وسوسة ومنوبة بينما تتقدم حركة نداء تونس في البقية...

بطبيعة الحال نسوق هذه المعطيات الأخيرة بحذر بالغ نظرا لكون عدد العينة في مختلف الولايات وإن تجاوز في كل واحدة منها 100 شخص فهو عدد غير كاف لاستنتاجات كمية دقيقة...

هذه صورة أولى لموازين القوى السياسية اليوم ونحن على مشارف الانتخابات البلدية والأكيد أن الأشهر القادمة وتحديد ملامح القائمات في كل دائرة والعرض السياسي (الحزبي أو المستقل) سيغير كثيرا من هذه الصورة الأولية ...

التنافس قد بدأ وكل المعطيات تشير بأنه سيكون حامي الوطيس...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115