ورقة الوراق 2017: التمساح ...

نشرت بلدية تونس يوم الأربعاء 1 مارس 2017 صورا لتمساح مهشم الرأس من جراء حجارة استخدمت لقتله، ونعتته بـ «تصرف وحشي من قبل مجموعة من زوار الحديقة التي قامت برشق تمساح بالحجارة على مستوى الرأس مما تسبب له في نزيف دموي داخلي، أدى إلى وفاته».

وعلق البعض بسخرية موجعة: « واعتبر البعض أنها حادثة تافهة وتساءل الوطنيون الفضوليون كيف تذرف الصحافة الدولية دموع التماسيح والعرب تقتل وتشرد أمام أنظار العالم، وكأن بكاءنا عليهم يمنعنا من العطف على الحيوان أيضا. قلة ربطت الحادثة بالثورة منها تعليق ساخر موجع : الطبيب الشرعي يقر أن #تمساح_البلفدير توفي على إثر سكتة قلبية»، واخبار عن تعيين اخت الشهيد #تمساح_البلفدير كاتبة دولة او معتمده.

هل التمساح هو أيضا احدى ضحايا الثورة؟ والحادثة تتجاوز الوحشية لتطرح علاقتنا بالحيوان: هل هو يتألم مثلنا ويحتاج أكثر من الرفق أي حقوق نمنحها إياه؟ وهنا أيضا فارق بيننا والغرب. وهذا الذي يبرر ربما استياءهم أكثر من اللزوم. ما علاقة التمساح بالثورة؟ واضح جدا. منذ اليوم الأول اختلطت الثورة بالتسيب. لا أقول الفوضى لأنه مفهوم أكثر تعقيدا. فالفوضويون هم ثورويون. مثقفون نظروا في القرن التاسع عشر للفوضى أي لنظام منظّم بلا سلطة. وهو المدلول اللغوي للكلمة في أصلها اليوناني (أنارشي: أن أي بلا/ارشي

أي سلطة). وقانون الغاب هي استعارة لأن للغابة نظام محكم وطقوس وهرمية بين الحيوانات. فلا عبث في الغاب ولا قتل بدون مبرر. ما أعنيه هو التسيب. أي التراخي والإهمال وفقدان الضوابط والتسامح المفرط مع من يتجاوز القانون.

شاهدناهم ينهبون ديار الطرابلسية أمام الملأ بتواطؤ البوليس. و يحرقون ويخربون ويسرقون. ويستولون على الأراضي العمومية ويبنون المباني بلا رخص وينتصبون بائعين في الطريق العام ويرمون الفواضل في أي مكان ويتسكعون ليلا ويتلفون الزرع . ويدخنون ويبصقون ويتبولون ويتغوطون في كل مكان. يتسابقون في كل مضرب ويتسابون أثناء السياقة ويتراشقون بالحجارة لهوا. لا يبالون بأية هيبة. وتأتي حادثة التمساح، هو يبدو في مكان آمن حديقة يرجع تصميمها إلى القرن التاسع عشر وانضافت إليها حديقة حيوان في 1963 زمن تأسيس الدولة الوطنية. قبل أن يحدث ما حدث. فنحن لا نعرف اكانوا أطفالا أو كهولا ولم يوقف أحد على حد علمي. وذهبت اللامبالاة الى حد أن لم يتفطن أحد الى حد اليوم الموالي لما قام المعالجون بإطعامه. قالت الإدارة أن الزوار اعتادوا الإعتداء على حيوانات الحديقة التي تسببت في جروح متفاوتة للحيوانات. وقال عمر النيفر للصحفية مريم بلقاضي بأن الحديقة أصبحت مزبلة وسوق للباعة المتجولين.

لم يرتق العرب (والتونسيون طبعا وتبعا) الى الوعي بحقوق الحيوان. هم لم يستوعبوا بعد حقوق الانسان. صحيح أن الإسلام يقر عبر الأحاديث بأن للحيوان روحا (لذلك حرّم في الجهاد قتل الحيوانات) ويضع قواعد إجرائية للنذر. ولكنه ككل الديانات يمنح للإنسان الأفضلية باستثناء الهندوسية التي تمنع ايذاء الحيوان (الى درجة اعتبار البقرة مقدسة). في المقابل نمى في الغرب العلماني منذ الستينات في القرن الماضي وعيا بأن الحيوان ليس بآلة. هو يشارك الانسان بعض خصاله، يتمتع بذكاء ويتألم وينفعل ويفرح. فالى أي درجة يمكن للإنسان أن يتصرف فيه يذبحه ويأكله ويجعل منه آلة اختبار؟ ويتساءل المفكرون اليوم عن إقرار «ميثاق حيواني» يتعهد فيه الانسان بالتزامات إزاء الحيوان ويمنحه حقوقا. فمثلا يشترط العدل أن نسمح للحيوانات بالعيش في محيطها الطبيعي وأن لا نتصيدها وأن لا

نضطهدها. وأن لا نؤذيها. يقول الفيلسوفان سو دونلتسون و ويل كمليكا في كتبهما «زو-بوليس: نظرية سياسية في حقوق الحيوانات» أن الحيوانات تنقسم إلى ثلاثة أنواع: الأديم المندمج مع الأرض (مثل النمل والدود) والأليف (مثل القط) والوحشي (مثل القرد و التمساح)، والسؤال المطروح هو كيف نتعايش مع الحيوانات «جيراننا» في الأرض، ملك الجميع (وليس لبني آدم فقط). يبقى طبعا هذا السجال أرقى مما نحن فيه وهو محل تساؤل مشروع: هل قتل التمساح خاصية ثقافية (العرب بدون ردع همج)؟ هل أن الانحطاط الأخلاقي فسخ الفارق بين المباح والممنوع؟ هل التسيب بعد جانفي 2011 أعمق مما نتصور؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115