الهام في هذا المشروع هو حصره لأول مرة المفاهيم الأساسية لمقاومة الفساد في القطاع العام..
فالإثراء غير المشروع هو : «كل زيادة هامة في الذمة المالية للشخص الخاضع لهذا القانون يحصل عليها لفائدة نفسه أو لفائدة من تربطه به صلة تكون غير متناسبة مع موارده ويعجز عن إثبات مشروعية مصدرها بصورة معقولة» وتضارب المصالح هو «الوضعية التي يكون فيها للشخص الخاضع لأحكام هذا القانون مصلحة خاصة مباشرة أو غير مباشرة يستخلصها لنفسه أو لمن تربطه به صلة تؤثر أو من شأنها أن تؤثر على أدائه الموضوعي والنزيه والمحايد لواجباته المهنية».
وغني عن القول بان جلّ الفساد الحاصل في المرفق العام وفي أروقة القرار إنما يتأتى في الأغلب الأعم من تضارب المصالح والتي لم تؤطر إلى الآن في قانون..
إذن بدءا بهذا القانون سيصبح جملة من كبار موظفي ومسؤولي الدولة مطالبين بتصريح بالمكاسب لذواتهم ولأزواجهم وأبنائهم القصر أيا كانت هذه المكاسب عقارية أو منقولة داخل الجمهورية أو خارجها وكذلك جملة القروض المتحصل عليها إلى حدود يوم التصريح .
ولكن الأهم من التصريح بالمكاسب - على أهميته القصوى- هو التصريح بالمصالح ويتضمن ثلاثة مستويات :
1 – الأنشطة المهنية للشخص ولقرينه خلال السنوات الخمس السابقة للتصريح والمقصود بها الأنشطة الخاصة مدفوعة الأجر.
2 – انتماء الشخص لهياكل التسيير في الجمعيات الخاصة والجمعيات والأحزاب والمنظمات الدولية بأصنافها (حكومية أو غير حكومية ) طيلة السنوات الخمس السابقة للتصريح
3 – الهدايا التي تلقاها الشخص على امتداد السنتين السابقتين للتصريح..
وتشمل قائمة المطالبين بالتصريح بالمكاسب وبالمصالح ثلاثين صنفا بدءا من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وأعضائها من وزراء وكتاب دولة وكل نواب الشعب وكل أعضاء الهيئات الدستورية وكل أعضاء المجالس المنتخبة (بلديات – جهات – أقاليم)
وجملة من كبار الموظفين (محافظ البنك المركزي – المديرون العامون – رؤساء الجامعات ..المعتمدون – الكتاب العامون للبلديات والولايات ..) هذا بالإضافة لكل من يتمتع برتبة وامتيازات وزير أو كاتب دولة..
ومع كل هذه الأصناف التي ذكرنا بعضها تضاف مهن بأكملها كالقضاة وأعوان قوات الأمن الداخلي وأعوان المراقبة الجبائية والاستخلاص وأعوان الديوانة وكتبة المحاكم..
أي نحن أمام عشرات الآلاف من كبار الموظفين والمنتخبين ومن كامل المنتمين لمهن شديدة الحساسية كالقضاء والأمن والديوانة وكل الأجهزة الرقابية ..
والجهة المخول لها بتجميع هذه التصاريح وبمراقبتها هي «هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد» المنصوص عليها بالدستور وفي الانتظار تتولى هذه المهمة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كما ضبط مشروع القانون هذا كل الإمكانيات المتاحة للهيئة للتثبت في صحة التصاريح كما اشتمل المشروع على ترسانة من العقوبات لردع المخالفين وكذلك لحماية البيانات الشخصية لكل المصرحين..
وقد يكون هذا مجال نقاش هام داخل مجلس نواب الشعب..ففي بعض التجارب تكون هذه التصاريح علنية متاحة للجميع خاصة عندما يتعلق الأمر بالمنتخبين كالنواب أو كبار مسؤولي الدولة كالوزراء..
ولكن لابد من الإشارة بأننا أمام واحد من أهم القوانين المقاومة للفساد والمرسية للشفافية والنتيجة المرجوة ليست استهداف الموظف العمومي بل تجسير الثقة بينه وبين كل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وسائري المواطنين..
مع قانون كهذا – مع التحسينات الضرورية خاصة في شفافية عملية التصريح ومضمونها – سنتمكن - أخيرا – من تطبيق هذا الشعار الكبير: من أين لك هذا ؟ !