يبدو ان الشعارات التي رفعت يوم أمس في التجمع الاحتجاجي للأساتذة والمعلمين، قد خففت من توجس أعضاء الحكومة والمتابعين للشأن العام، فالشعارات كشفت أن الاتحاد العام التونسي للشغل جعل من ملف ناجي جلول وخوصصة البنوك العمومية عناوين خلافاته مع الحكومة وليس التحوير الوزاري او اتفاق قرطاج.
شعارات أبانت عن تحسن نسبي في المناخ العام بين الحكومة واتحاد الشغل حتى وان ظلّ أصل الأزمة قائما، فبعد لقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد والأمين العام للمنظمة نور الدين الطبوبي، وبروز مؤشرات للتهدئة وفتح الباب للتفاوض والمشاورات، حمل يوم أمس- من تحرك وشعارات وتصريحات للنقابيين- مؤشرات تهدئة بين الطرفين.
تطور جاء بعد جملة من المشاورات التي يجريها الاتحاد مع الأحزاب والمنظمات من جانب، وبين لقاءات يعقدها رئيس الحكومة للبحث عن مخرج للازمة، التي لا يزال الاتحاد متمسكا رغم نزوعه للتهدئة على التراجع عن تعيين خليل الغرياني كوزير للوظيفة العمومية والحوكمة.
تعيين قال انه وان كان حقا دستوريا لرئيس الحكومة فان الاتفاق السياسي بين الموقعين على اتفاق قرطاج، كان يفترض التشاور وعدم «الاستفزاز»، وان التراجع عنه أمر ضروري لتحقيق الاستقرار السياسي، وذلك بتلويح قادة الاتحاد ان موقفهم من وثيقة قرطاج مرتبط بما سيحدث في الأيام القادمة من تطورات وبما سيقرر نهاية الأسبوع من قبل هياكل الاتحاد.
ربط الاستقرار الاجتماعي والسياسي بالتراجع عن التحوير الوزاري، والتشديد على الحكمة والعقلانية في الأيام القادمة، يقدمان صورة نسبية عن المنحى الذي يتجه اليه الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يدرك قادته ان العودة عن تعيين الغرياني من قبل رئيس الحكومة صعبة لما لها من عواقب سياسية على الحكومة، كما ان اعتذار الغرياني عن التكليف بات صعبا، بعد مرور أكثر من 5 ايام، إضافة الى ان حركتي النهضة والنداء أعلنتا عن التصويت لصالح التحوير.
معطيات يمتلكها الاتحاد ويضعها في حسبانه في تحليله للمشهد، الذي يدرك جيدا اليوم ان التصعيد فيه لن يفضي إلى تحقيق أي مكسب، لذلك فقد خير الذهاب الى التهدئة دون التخلي كليا عن موقفه وان يعلم ان تحقيق طلبه القاضي بتغيير الغرياني لا حظوظ له. تمسك ناتج عن حرص الاتحاد على مراعات جملة من التوزانات صلبه ومع الحكومة.
فالاتحاد يعلم ان إبقاء المشهد العام في حالة ترقب، لتطورات الأزمة، سيمنحه وقتا لصياغة موقف نهائي يحمي تماسك المنظمة، التي يدرك القائمون عليها أنهم مطالبون بالوصول الى معادلة متشعبة، لا يغادر فيها الاتحاد مربع الازمة مع الحكومة كمن خسر «معركة» لان ذلك سيكون له تاثير على المكتب في بقية مدته، وهي في أولها.
المكتب الجديد للمنظمة يريد تجنب منح تيار في صفوف الاتحاد يدفع إلى التصعيد، مبررا لتجاوز قرارات المكتب، لكنه في المقابل لا يريد لقواعده النقابية أن تنهك في معركة سياسية والحال انه يراهن على انضباطها في معركة الإصلاحات. لذلك فهو يفضل ان لا يجرها اليوم في معركة مفتوحة مع الحكومة.
معادلة ستتضح معالمها يوم الجمعة القادم، ولكن يبدو انها لن تكون دافعة للتصعيد بين الحكومة والاتحاد، فكلاهما يدرك اليوم أن المشهد السياسي له إكراهاته ويجبرهما على البحث عن توافق بينهما.