ليست كل المتوازيات متساويات. فهنالك متواز مقبول ومتواز مرفوض. فمثلا ديبلوماسية الغنوشي الموازية محمودة ومشكورة و «بارك الله فيه» أن يعلمني قال رئيس الجمهورية. أما دبلوماسية محسن مرزوق فهي مذمومة لا لشيء الا لأن الثاني مغضوب عليه. وما توضيح الرئاسة الا اخراج سيئ لسياسة المتوازيين. وكان بالأحرى أن يوقف دولة الغنوشي عند حده منذ مدة. أو استثمار كل المبادرات بدون حرج. فالسياسة الخارجية كما يقول المفكر ريمان أران تعتمد على رجلين: العسكري والسياسي. وفي غياب عسكر مهاب يصبح الدبلوماسي أهم شخصية. ولكن أين هي؟
الشرطة الموازية شأن آخر. يحدد ماكس فيبر الدولة باحتكار العنف المسلح من طرف جماعة مؤسسة. لذلك كانت أول ضربة موجعة للدولة هو حل أجهزة معينة لوزارة الداخلية وإعادة هيكلة الأخرى وإقصاء كوادر واحالة آخرين على المعاش أو القضاء. و بعث جهاز غير منظم وغير منسّق، أمن موازي غير مفضوح في شكل شبكة علاقات فردية ورموز مشفرة وغمزات. وهو السبب الذي فشلت فيه كل محاولة معرفة الأشخاص المورطين بعينهم وتفكيك الدولة في داخل الدولة.
واعطف على القضاء أين يكاد يكون فيه الموازي هو المركز. والقضاء كسلطة ثالثة في الهامش. و تشهد على ذلك أزمة المجلس الأعلى للقضاء والتسييس المفرط للقضاء. أما الاقتصاد الموازي فهو يشكل نصف الاقتصاد المنظم وتغذيه أطراف مهيكلة في الدولة. وهنالك أبنية وأحياء ومدن وطرق موازية أي خارج التخطيط والتصريح الرسميين. أفراد موازين لهم سلطة تتجاوز السلطات الرسمية يحكمون ويصرحون. و يتحدون الدولة. وهي تطلب منهم المعذرة. والحكومة الموازية تعمل في الكواليس و رئاسة الجمهورية الموازية في القصر.
انتهت الحملة التي استهدفت «الدولة العميقة» لأنه وقع اختراقها وتطويعها. وكانت ترمي الى تفكيك دولة الاستقلال. «الدولة العميقة» وليدة الدولة التسلطية ولكنها حقا دولة. وما الدولة الا مؤسسة المؤسسات، متمايزة عن المجتمع ومتميزة عن السلطة أي النظام. عمودها الفقري أجهزة بيروقراطية محايدة الى حد كبير تعمل وفق إجراءات شكلية معقلنة. تحكم وتسمي وتعزل وتقمع وتجمع الضرائب وتخطط وتوزع الخيرات والأوسمة. ترفع الفواضل وتزكي الولادة وتسهر على الجنائز. الى حد تذمر المواطنين من حضورها. كانت الدولة قبل الاستعمار دولة مخزن لا تتحكم الا في المدن، أما بلاد السيبة فهي في يد القياد والقبائل والمشايخ.
ومن قبل لم تعرف الدولة مؤسسات مستقرة بل أمراء ووزراء وعسكر وشبه إدارة ترفع المكوس وقضاء يراقب ما هو معلوم من الدين بالضرورة. تدور الدولة بدوران الدول. فالدولة لغويا هي انْقِلابُ الزمانِ و العُقْبة في المال، و انقلاب الدهر من حال إلى حال. والدولة في الملك الذي يتغير والدولة وبالضم انتقال النعمة من قوم الى قوم وبالفتح هي الاستيلاء والغلبة، وفي الحرب أن تدال فئة على أخرى. والدول : لغة في الدول، ودالت الأيام: دارت، والله تعالى يداولها بين الناس . لذلك يقال دولة بني أمية ودولة بني العباس ودولة فلان وفلان. دولة الرئيس السبسي ودولة الغنوشي. وهي كلها كائنات ضد الدولة.