شكري بلعيد من التاريخ إلى الذاكرة

شد انتباهي برنامج احياء الذكرى الرابعة لاغتيال شكري بلعيد كما صدر في جريدة المغرب 2 فيفري. تقدم دنيا حفصة «آخر تطورات القضية وبرنامج احياء الذكرى». ينتسب الجزء من المعلومة الى التاريخ والجزء الثاني للذاكرة. ان أخطر

ما يهدد القضية أن تتحول من التاريخ الى الذاكرة وينتصر النصب التذكاري على كشف الحقيقة والاحتفال على البكاء.

بدأت القضية متشعبة وأطوارها تعقدت بحيث نحن نبتعد عن الحقيقة بقدر ما نحن نتقدم في الزمن. وبدون السقوط في النظرة التآمرية للتاريخ هنالك جهود مبذولة لتفكيك وتفتيت القضية. ومن يستطيع اليوم أن يفسر أطوارها من قضية الى قضيتين وغدا ثلاث تتناقلها دوائر الاتهام وقضاة التحقيق. وهذا القاتل قتل وذاك هارب يقال إنه مات، وهذا متّهم في حالة سراح. أخطبوط «كفكائي» نسبة الى فرانز كفكا الذي كتب «المحاكة» وهي قضية تدور في حلقة مفرغة. كل هذا يهدف الى ألا نعرف القاتل الى أن تخرج القضية من التاريخ الى الذاكرة ومن الجريمة الى السينما كما هو الشأن لكندي وفرحات حشاد والمهدي بن بركة. وقتها لا قيمة لمن قتله ولمن أعطى الأمر حتى وان عرفناه اسميا. المهم آنذاك هو التذكّر أي استرجاع الذكرى.

ما دمنا لم نعرف من قتل بلعيد ومن أعطى الأمر وما لم يعتذر المحرضون على قتله وهم بين َضهرا نينا فنحن لم نخرج بعد من التاريخ. وان كان التاريخ لا يزيد عن الاخبار كما كان يقول العلامة ابن خلدون فالتاريخ تاريخان، سرد لما مضى ووصف لما يحدث الآن قبل أن يصبح ماضيا مضى. ويقول بيار نورا أول رواده «تاريخ الحاضر» هو تلفّق الآني قبل أن يغمره الزمن. وهو موضوع «مركز التاريخ الحاضر» في فرنسا منذ 1978. أما الذاكرة فهي عملية تكديس ومحافظة واسترجاع لماض لم يبق منه إلا الصورة.

قد يكون حدثا تاريخيا ثابتا. وقد يكون سردا لأسطورة. فمثلا ينتسب الفراعنة للتاريخ لوجود اثباتات تاريخية بينما ينتسب الرسل إبراهيم وموسى الى الذاكرة لغياب أي عنصر مادي يثبت وجودهما. ومع ذلك تبقى الذاكرة أقوى من التاريخ. ولكنها لا تبالي بالحقيقة.
لقد بدأنا الولوج الى الذاكرة. وإلا فما معنى لساحة عمومية لشكري بلعيد يدشنها رئيس الجمهورية الذي وعد بالكشف عن الحقيقة كما وعد بذلك أرملة نقض. انه ضحك على الذقون. وهذا ما نبه.....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115