واول امس اعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ان وزارة المالية خفضت بصفة غير معقولة في الميزانية التي طلبتها مما يُعتبر مسا من استقلاليتها وقررت الهيئة التوجه لرئيس الحكومة ليكون الحكم بين الطرفين.
إستقلالية الهيئات الدستورية عن السلطة التنفيذية سواء كانت مالية او ادارية مسالة تُطرح خاصة كلما طرحت إحدى الهيئات الدستورية الخمس ميزانيتها للنقاش مع وزارة المالية وتحتدّ كلما تدخّلت وزارة المالية وخفضتها الى مستوى تعتبره هذه الهيئات مسا من استقلاليتها المالية وآخرها أول امس مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي طلبت ميزانية قدرها 7 ملايين و500 ألف دينار لكن وزارة المالية خفضتها. رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب رفض الافصاح عن الميزانية التي قررتها وزارة المالية لكنه وصفها في تصريح لـ»المغرب» بالمخجلة وغير الكافية لاحتياجات الهيئة الاساسية واعتبر ان التخفيض في الميزانية التي طلبتها الهيئة الى حدّ غير معقول يعكس عدم الاقتناع بعد بجدوى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد او عدم استساغة استقلاليتها التامّة واكد انه سيتّجه لرئيس الحكومة ليكون الحكم في المسألة.
ومن وجهة نظر رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد فإن الإشكال في ظاهره قانوني بحكم ان الهيئات الدستورية خلقت نظاما قانونيا ومؤسساتيا جديدا باعتبار انها مستقلة في نظامها هيكليا وماليا عن السلطة التنفيذية وفي ادارة شؤونها الادارية واخضاعها الى الرقابة المسبقة من طرف وزارة المالية خرق للدستور ولكن الهيئة قدمت تنازلا قانونيا وناقشت ميزانيتها مع وزارة المالية.
الفصل 125 غير كاف
هذا الإشكال الذي حصل في وقت سابق مع الهيئة المستقلة للانتخابات خلال مناقشة ميزانيتها لسنة 2016 يتلخّص في كون الهيئات الدستورية وان كان الدستور والقوانين والاوامر المحدثة لها تنص على استقلاليتها المالية والادارية ولكن مواردها المالية متأتية اساسا من المال العام اي من الدولة يستوجب إيجاد تصوّر لصيغة تكون فيها هي المحدد لضبط ميزانيتها بالتشاور مع السلطة التنفيذية وفي إطار ميزانية الدولة وبصفة عامة توضيح علاقتها ببقية السلط خاصة منها التنفيذية.
فالفصل 125 الذي ينص على تمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية والادارية لم يكن كافيا لتكريس خاصة استقلالية هذه الهيئات ماليا وتوضيح علاقة الهيئات الدستورية بالسلطة التنفيذية وبقية مؤسسات الدولة وتكريس استقلاليتها التامة عنها مما دفع رئاسة الحكومة عبر وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني الى صياغة مشروع قانون إطاري يتناول النقاط الموحدة للهيئات الدستورية الخمس كما الحال في الفصل 125 من الدستور مع الدخول أكثر في التفاصيل خاصة ان وصف «الإستقلالية» التي منحها إياه الفصل 125 شامل كما بقي الإشكال الأكبر في تحديد صبغة هذه الهيئات التي لا يمكن تصنيفها في خانة المؤسسات ذات الصبغة الإدارية او التجارية وما سيترتب عنه تحديد الصبغة الجديدة من الهيئات العمومية.
مجلس النواب هو الحكم
وتتمثل اهمية القانون الاساسي الإطاري للهيئات الدستورية في انهائه كل الإشكاليات المطروحة المتعلقة بالهيئات الدستورية وصبغتها ونتائج هذه الصبغة الجديدة في تونس وخاصة استقلاليتها الإدارية والمالية فمثلا في ما يتعلق بميزانيتها وبإعتبار انها تموّل من المال العام تخضع فقط للتنسيق مع السلطة التنفيذية ووزارة المالية وفي حال الإختلاف يكون مجلس نواب الشعب هو الحكم.
فمشروع القانون الاطاري يهدف الى تنظيم صنف الهيئات الدستورية المحدث بمقتضى الباب السادس من الدستور وضبط الآثار القانونية المترتبة عن الطبيعة المستقلة المستندة لها وينص في الفصل 17 من مشروع القانون الاساسي الإطاري للهيئات الدستورية على انه «تحيل الهيئة (احدى الهيئات الدستورية) مشروع ميزانيتها إلى الوزير المكلف بالمالية لمناقشته وتتولى اللجنة المكلفة بالمالية بمجلس نواب الشعب بحضور الطرفين التحكيم عند الاقتضاء. إذا فان مشروع القانون الاطاري للهيئات الدستورية وضع في اول حسبانه طبيعة الخلافات بين السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة المالية والهيئات الدستورية الخمس ونص على وجود حكم بينهما وهو مجلس نواب الشعب وتحديدا لجنة الماليّة في حال الخلاف بخصوص ميزانية الهيئات الدستورية الخمس، وهي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري وهيئة حقوق الإنسان وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.