المكتب التنفيذي الجديد للاتحاد العام التونسي للشغل : تحالف العاشوريون واليساريون المتحالفون معهم فوق الجميع

حسم الأمر الذي استفتي فيه النقابيون يوم أمس، وأعلن عن فوز قائمة الوحدة النقابية برئاسة نور الدين الطبوبي بكل مقاعد المكتب التنفيذي الـ13، بنسبة أصوات جدّ مريحة، تمنح للمكتب الحالي للمنظمة «شرعية» لا يمكن المسّ منها، أو تفرض طرح تغيير لتوازنات في المنظمة

التي أثبتت بالفعل أنها «ماكينة» ترفض أن تصبح طيعة لغير منطقها، منطق حشاد/ عاشور.

ساعات قليلة كانت كافية لتنهي حظوظ القاسم عفية في ان يكون عضوا في المكتب التنفيذي الجديد للاتحاد، فهو قبل ان تنطلق عملية التصويت كان مرشحا ذا حظوظ كبرى بالفوز، لكنه فعل كل شيء كي لا يفوز، وقدّم لمنافسيه أكثر من هدية لم يكونوا يحتاجونها الا لضمان صعود القائمة برمتها، وليس اغلبها.

وهو ما كان لهم بعد أن أدلى حوالي 550 مؤتمرا بأصواتهم، في انتخابات انطلقت فجر يوم الخميس الفارط، وانتهت في حدود الساعة العاشرة والنصف، لتتضح الصورة تدريجا كلما تقدمت عملية فرز الأصوات، ليعلم الجميع ومنذ بدايتها ان قاعة المؤتمر رجحت كفة القائمة الرسمية، ومنحتها أصواتا بمعدل 75 % للقائمة.

هذه النسبة التي ترتفع إن تعلق الأمر بعدد الأصوات التي منحت لبوعلي المباركي،عضو مكتب تنفيذي منذ2011، لتبلغ 82 % من الأصوات (474) في حين تنخفض الى 46 % من الأصوات منحت لصلاح الدين السالمي (248)، وهو وافد جديد على المكتب.
أرقام ونسب هامة تكشف كيف تعاطت القاعة التي يتضح أن عددا هاما منها صوّت وفق قاعدة «البلوك» أي صوّت لكامل القائمة، وهذه الفئة يتراوح عددها بين 200 و220 مؤتمرا، هم بالأساس نواب تونس الكبرى( بن عروس، تونس، أريانة، منوبة) والقيروان، فتوجه التصويت تحكمت به الاتحادات الجهوية بالأساس، وليس القطاعات، مع الأخذ بعين الاعتبار ان ترك هامش يسمح للمؤتمر باختيار احد المرشحين من القائمة الرسمية.

وهيمنة الاتحادات الجهوية، التي يترأس اغلبها نقابيون من الخط العاشوري، الذي وجد صيغ تحالفات مع القوميين واليساريين من غير المنتظمين أو من العائلة الديمقراطية بتفرعاتها، «وطد وعود»، ليضمن فوز القائمة الرسمية، وهو ما تم له، ليصعد مكتب تنفيذي يعكس هذا التحالف.

تحالف يتجلى بالاطلاع على خلفية الفائزين، فخمسة منهم وعلى رأسهم الأمين العام هم من أبناء الخط العاشوري، أي الخط النقابي البحت، في حين ينقسم بقية الأعضاء الثمانية على أربعة من العائلة الوطنية( 2 وطد و2 عود)، بالإضافة الى فوز قوميين، ينتميان الى حركة الشعب والتيار الشعبي، وهؤلاء المتحزبون الستة ارتباطاتهم الحزبية ليست بالثقل الذي قد يجعل رابطهم النقابي محل تساؤل، وهو ما ينطبق على عضوين آخرين من المكتب التنفيذي، وهما يساريان، غير متحزبين رغم علاقاتهما السابقة، كل على حدة ، بحزب العمال والمسار الديمقراطي.

هذا التوزيع للانتماءات الفكرية والميول السياسية لأعضاء المكتب التنفيذي يقدم صورة واضحة أن وقعت قراءتها مع التجديد لـ9 من أعضاء المكتب التنفيذي السابق، ليتبين ان الاتحاد وكما أعرب في لوائحه او في البيان الانتخابي سيواصل في «مسار طبرقة» اي المزج بين عمله كمنظمة نقابية ودوره الوطني في الملفات السياسية.

دور اكّده سامي الطاهري، المكلف بالإعلام في المكتب التنفيذي الجديد، في تصريح لـ»المغرب» أن دور الاتحاد في المرحلة القادمة هو المشاركة في صياغة السياسات الكبرى القادمة في ملفات اقتصادية وتنموية، وان علاقته مع الحكومة الحالية او القادمة تقوم على قاعدة «لا صداقة دائمة ولا عداوة قائمة، الملفات تحدد الموقف من الحكومات»، ليشير الى ان المكتب الحالي كما السابق هو سليل مدرسة حشاد، التي تقول باستقلالية الاتحاد عن التوظيف الحزبي وعن السلطة القائمة.

ليبين ان هذا الخط انتصر في المؤتمر، لان النقابيين يؤمنون باستقلالية المنظمة ويعتبرون اي محاولة اختراقها من قبل أطراف تعادي العمل النقابي، ويلمح الى أحزاب الترويكا وخاصة حركة النهضة، لن تتمكن من اختراق المنظمة لوقوف النقابيين ضد ذلك.
تصريحات الطاهري بدورها تساعد على فهم الوجه الجديد للاتحاد، الذي في حقيقة الأمر، هو تعديل لوجه قديم ليتلاءم مع مرحلة جديدة دون المساس بالجوهر، الذي يمنح المستقلين وغير المتحزبين سيطرة على هياكل المنظمة، مع ترك هامش لليساريين لتحديد التوجهات السياسية أو تعديلها إن اقتضت الضرورة ذلك.

فالمكتب التنفيذي الجديد يضم أغلبية من اليساريين، الذين سيكون لهم تأثيرهم في خيارات الاتحاد وقراراته أن تعلق الملف بالدور الوطني للاتحاد، لكن انتماء هؤلاء لليسار لا يعني أنهم من حملة لواء النقابات الحمراء، وهو ما سيجعلهم ذوي تأثير اكبر على القرار في مكتب تنفيذي بات تقليدا في المنظمة ان يكون على رأسه «عاشوري» منذ ثمانينات القرن الماضي، كما هيمن عليه القادمون من سلك التعليم، حتى وان كان الثقل الانتخابي للعملة سواء في القطاع الخاص أو العام.

ونتائج الانتخابات الاخيرة، لا تكشف فقط ثقل «المركزية النقابية» وقدرتها على ضبط القاعدة بل تكشف عدم انتشار فكرة» النقابة الحمراء» في المنظمة وهي ايديولوجية اليساريين المنتظمين في أحزاب من خارج العائلة الوطنية وبعض من القوميين، وعبر عنها تلميحا وصراحة في الخطاب الانتخابي لهم، وهو الخطاب الذي أدى الى أن تتراجع حظوظ قاسم عفية في الفوز بمقعد في المكتب التنفيذي بعد ان جمع 161 صوتا اي حـــوالي 30 % من الأصوات، وهي أصوات متأتية بالأساس من قطاع الصحة الذي ينتمي إليه ومن ولايات الساحل، لم تذهب الى بقية قائمته التي لم يصوت لها بمعدل كلي للقائمة بنسبة لا تتجاوز 15 %.

ضعف النسبة يعكس عدم توافق خطابه وطرحه النقابي يمنع التوجه العام للمؤتمرين، الذين يمثلون نسبيا توجهات قاعدة الاتحاد، ويبدو ان هذه القاعدة ورغم منح النواب لاصواتهم لمقرب من حركة النهضة ترفض ان يصبح الاتحاد مرتبطا بأحزاب او موظفا من قبلها في معاركها، كما ترفض ان يصبح أداة لمن يمسك بالسلطة.

انتهى الامر وقرر النقابيون من يمثلهم والنهج الذي يجب ان يمضي فيه الاتحاد، وهو ذات نهج التأسيس، دور اجتماعي مرتبط بدور وطني يختزل في دور تعديلي وتخل ظرفي عن الفعل السياسي ان اختل المشهد او ظهر الخطر، وهذا الدور لا يعني بلوغ الصدام التام مع السلطة مهما كان لونها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115