ورقة الوراق 2017: الدكتاتور أردغان

أردغان دكتاتور هي ليست بتهمة. هي اليوم واقع عيني الى درجة بعد أن منحه الدستور للاستئثار بالسلطات المطلقة. وهكذا تنتهي كوميديا النموذج التركي الإسلام السياسي الديمقراطي بتراجيديا: المعني بالأمر يقبل بخليط من الصلف والتحدي. بل بفخر بأنه دكتاتور.
لنبدأ

بآخر حلقات الردة حيث صادق البرلمان التركي يوم السبت 21 جانفي 2017 بعد مشادات وصلت الى حد العنف الجسدي على تحوير18 فصلا من دستور 1982 يحذف خطة وزير أول (التي ترجع الى 1923 زمن أتاتورك المتهم بالدكتاتورية من طرف الإسلاميين) ليصبح النظام رئاسويا مطلقا يخول للرئيس الترشح الى حدود 2029 وتعيين حتى أعضاء المجلس الدستوري الذي يتمتع بصلاحيات اقالة الرئيس، فضلا عن أعضاء الحكومة والموظفين السامين في كل الأجهزة. وبينما بشّر الوزير الأول نفسه بحذف خطته نددت المعارضة بالانقلاب الدستوري وقال مايتن فيزقلو عميد المحامين بأن «الاصلاح هو في الواقع انتحار» يمس من جوهر الفصل بين السلط. واستغل أردغان الوضع حالة الطواري المعلن عنها بعد الانقلاب الفاشل في 15 جويلية 2016. وذلك ببسط نفوذه المطلق. فطالت التصفيات التي تعدّ بأكثر من مائة ألف شخص كل المجالات بما فيها التعليم. وأعطي رقما فقط: أسبوع فقط بعد فشل الانقلاب أغلقت 130 وسيلة اتصال بما فيها 16 تلفزة و45 جريدة و3 وكالات أخبار و23 راديو و25 مجلة و29 دار نشر. من الواضح ان للإسلام السياسي قائمات جاهزة على ما يأتي. ولم ينته المسلسل الى حد الساعة.

تنتسب كلمة دكتاتورية الى المعجم اللاتيني. وتعني السلطة المطلقة التي يمنحها مجلس الشيوخ لأحدهم أي قاض أو حاكم أو قائد لمدة أقصاها ستة أشهر. اليونانيون يعرفون كلمة طاغية (من يسطو على السلطة) والذي يحكم بالخوف. وتلقفها العرب في وصف مدينة «التغلب» (من الفرابي الى ابن رشد). واستقرت الكلمة لترادف الحكم التسلطي المعتمد على العنف اللاشرعي المؤسس. أقول هذا لأن أردغان ينتسب الى منظومة أخرى هي ما عبر عنه أرسطو في كتاب السياسيات بـ«الطاغية المنتخب». وهو نوع استقر وتنامى بعد موجة الدمقرطة التي اجتاحت العالم . ويكون ذلك في ظل مؤسسات يقع التحيل عليها وافراغها من محتواها. ويمثله أحسن مثال بوتين. ولا تفكروا في ترانب لأن المؤسسات الأمريكية ليست هشة ولن تسمح بذلك (بالرغم من كل الأضرار التي سيلحقها بالنموذج الأمريكي). ينتسب خور ولخبطة وتنفخ أردغان الى ما يسمى التسلط المستحدث.

رد أردغان على المجلة الألمانية «بيلد» (صورة) التي تساءلت في واجهة عدد 4 نوفمبر ما يلي «الدكتاتور أردغان هل من نهاية لكل هذا؟» فأجاب: «هذا يدخل من أذن ويخرج من أذن». ثم قال أردغان في افتتاح دورة لمنظمة المؤتمر الاسلامي يوم 22 نوفمبر 2016 «الغرب يفرش النمارق للطغاة وهكذا يتهم منتقديه بأنهم دكتاتوريون. لذلك اذا قال الغرب أن أحدا ما هو دكتاتور فهذا أراه شيئا جميلا».

The West rolls out a red carpet for tyrants, [yet] labels its critics dictators. So if the West calls someone a dictator, in my view that is a good thing

كشر أردغان عن أنيابه عندما أصبح متأكدا من قوته. نافق وراوغ وتملق مادام أقليا. كان في البداية ليبراليا، علمانيا، مع الاستقلال الذاتي للأكراد ومترشحا جديا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي... وكم هم كثّر الذين توهموا بأن أردغان هو رمز «الاعتدال والتوسط والتسامح والتعددية والعلمانية» وهلم جرا. انتهى زمن النموذج التركي الذي يلائم بين الاسلام والديمقراطية. أين هي مخابر «الثين تانك» من كل هذا؟ خاب أمل الأخصائيين والمستشرقين الجدد والدبلوماسيين والمثقفين البلهاء والسياسيين السذج والعديد من المتحيلين. لم يصبح الإسلام السياسي « إسلاميا-محافظا» على غرار «المسيحية المحافظة». فاين هم لينددوا بانحرافه. هم صامتون خجلا. بعد ما باعوا سلعة مغشوشة. تقول احدى السير الذاتية الملفقة للغنوشي أن الأتراك تأثروا بمقولاته (هم على ما يبدوا ليس لهم فكر وانتظروا بفارغ الصبر حتى ترجم اول كتاب للغنوشي في دار نشر مغمورة سنة 1997 أي خمس سنوات قبل الحكم). فهل الدكتاتورية المستحدثة صنعة تركية سلطانية أم جزء لا يتجزأ من فكر الإسلام السياسي؟ للحديث بقية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115