أكدّ حتّى أغنم من الدنيا.ككلّ كائن حيّ، أبذل الجهدلأحياوعائلتي في رفاه، في سعادة... هل أنا أنانيّ؟أحبّ نفسي وذويّ ما في ذلك شكّ. هل من عبد في الأرض يكره نفسه؟من لا يحبّ نفسه هو في نكد،لا يحبّ أحدا... ما أقول بديهيّ. كلّ الناس تقريبا يمشون في نفس فكري. كل العاقلين يتقاسمون هذا النحو.
أحيانا، لدى البعض، أرى غير هذا التمشّي. لدى البعض، أرى تصرّفا يدوّخ فكري. بدل السعي الى الحياة والتمتّع بما فيها من لذّة ونعمة، تراهم يمشون في سبل أخرى. هم في شقاء، في صراع، في نضال مستمرّ. ما كانت الحياة عند هؤلاء لتحيا. عند هؤلاء،في ما يقولون، الحياة جهادو شدّة. بعضهم يقضي العمر في نكد، في عذاب،دفاعا عن معتقد، عن وطن، عن رأي. لا حياة لهؤلاء ولا همّ غير ما اعتنقوا من فكر أو اعتقدوا من طرح.أرى هذا عند بعض رجال الدين.أرى هذا عند من امتهن سياسة أو تعصّب لطرح... ما كان «غاليلي» محقّا لمّا ألقى بنفسه في المشنقة.حتّى يحيا وفي حياته نفع له وللعلوم وللكهنة، كان عليه أن يوقف الأرض. كان عليه أن ينقذ نفسه...
يؤكّد السياسيون، بعضهم،أنهم على استعداد للموت ليحيا الوطن. يقولون ان غايتهم القصوى خدمة الشعب. لا أكثر ولا أقلّ.يؤكّد شيوخ الدين، بعضهم، أنّهم مستعدّون للموت في سبيل الدين ونصرة سنّة محمّد. لا أكثر ولا أقلّ. يقضي المناضلون من اليسار ومن اليمين عديد السنين في المعتقلات، في المنفى، في عذاب أزرق من أجل فكرة، من أجل حلم، من أجل جنّة...مثل هذا لا يقبله عقلي وأراه غلوّا وكفرا وان رآه غيري وطنيّة وايمانا فذّا... لا شيء عندي يضاهي الحياة. لا شيء أحبّ الى قلبي من الدنيا. لا شيء عندي يساوي ما في الأيّام، حلوها ومرّها، من جوهر، من كنه، من سعادة كبرى. ألم يخلق الله الانسان ليحيا؟
أنظر من حولي. أنظر في عجب، في هؤلاء السياسيين وفي ما هم يدّعون من حبّ،من فداء، من وطنيّة قصوى. أنظر في عجب، في هؤلاء المتديّنين وكيف هم فوق المنابر، في بقع التوتّر، يناورون، يفتنون، يفسدون في الأرض ويدّعون نصرة الإسلام وحماية مبادئه السمحة. أنظر في بعض وجوه اليسار وكيف هم، منذ عقود، يتحمّلون الشتم والتنكيل حتّى يحفظوا للمواطن كرامته، حتّى يظهروا للناس الحقّ...
أحيانا أسأل من دعا هؤلاء الى الدفاع عن الوطن؟ من طلب منهم حتّى يضحّوا بأنفسهم ويتكبّدون شقاء متّصلا، مرّا؟أحيانا أسأل لماذا هم يحبّون الشعب؟ هل حقّا هم يحبّون الشعب؟ كان الأولى أن ينظر هؤلاء في أنفسهم وينعمون بالحياة الدنيا. كان الأولى أن يحبّوا أنفسهم وذويهم والبشر من حولهم. أحيانا أسأل لماذا يناصر رجال الدين؟كان الأولى أن يتشبّعوا بالدين ويبشّروا بما كان في الدين من حبّ، من قيم كبرى...
أنا لست في حاجة الى حبّ السياسيين ولم أدع يوما أحدا للدفاع عنّي، لحمايتي. هل يعتقد أهل السياسة أنّي قاصر، في عجز؟ لا، لم ولن أطلب حماية من السياسيين ولا مساندة من رجال الدين. أنا مواطن راشد، قادر، عاقل ولا أبتغي من أحد وصاية أو رأفة أو تضحيّة... أنا مسلم راشد. أنا لست في حاجة الى شيوخ الدين وجماعاته المختلفة. أنا أومن بالله وبرسله ولست في حاجة الى اولياء أو أيمّة ليتولّوا ايماني ومعتقدي...
لماذا، في هذا البلد، الكلّ يريد وضع يده عليّ؟لماذا الكلّ يريد أن يكون وليّ أمري، وصيّا؟ هل أنا طفل غرّ، قاصر؟ أنا لست طفلا يا سادتي. أنا قادر حتّى أسعى وأحمي نفسي وعائلتي وأمشي في الأرض، في وطني، حرّا. أنا قادر على ادراك الايمان وتبيّن ما كان في الاسلام من حقّ وباطل. أنا لست في حاجة الى أحد وان احتجت الى أحد فلسوف أسعى... دعوني أحيا. كفاني وصاية. كفاني مغالطات وبهتانا... في تونس، في البلاد المتخلّفة،أصبحت السياسة صناعة مربحة. أصبح الدين بضاعة مزدهرة. أصبح النضال تجارة كبرى. لدى جماعات اليسار واليمين،غدا النضال شغلا، مورد رزق، أداة للتمعّش...