رسالة زبير الشهودي مدير مكتب رئيس حركة النهضة سابقا: «ظلّ» راشد الغنوشي يتخلّى عنه ويختار المعارضة

قليلة هي الصور التي تجمع بين رجلين، راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وزبير الشهودي، مدير مكتبه السابق، فـ»الحاجب» كما وصف الشهودي نفسه، يخير أنّ يظلّ بعيدا عن إطار الصورة وهو «ظلّ الشيخ» الذي استقبله وحمل سرّه لخمس سنوات طوال، عرف فيها الشهودي

تفاصيل لا يعلمها غيره في الحركة ودافع عن «شيخه» كما لم يفعل غيره، لكن «الظل» اختار منذ فترة أن يترك شيخه فشمسهما افلّت وحل الظلام، وفي الظلام ينفصل الظلّ ويترك صاحبه وحيدا. والشهودي لم يكتف بالانفصال عن صاحبه بل كشف ما لم يقله غيره.
قبل يومين لم يكن اسم زبير الشهودي متداولا في الإعلام إلا بصفته مديرا لمكتب الغنوشي الذي يعلن عمّا يريده الرجل وما هو جدول أعماله، ارتباط اسم الشهودي برئيس حركته لم تنفك عراه الوثقى الاّ قريبا عندما اطّل «الحاجب» كما وصف نفسه، معلنا ان مجلس

شورى حركة النهضة سيحاسب راشد الغنوشي، بسبب لقائه بعبد الله القلال وزير الداخلية السابق مع بن علي.

دعوة للمحاسبة كانت كفيلة بأن تجعل حركة النهضة تسارع الى نشر بلاغ تؤكّد فيه ان الشهودي لم يعد مدير مكتب الغنوشي وانه تم تعيين فوزي كمون خليفة له. ليقع لاحقا التشديد على ان الشهودي طلب إعفاءه من مهامه منذ فترة في بلاغ تكميلي نشرته الحركة التي كشف عن ارتباك مؤسساتها بعد حوار الشهودي مع صحيفة القدس العربي.

الشهودي اختار ان يطل لأول مرة كضيف في وسيلة إعلام، وهو الذي امتهن تنظيم اللقاءات الاعلامية لرئيس حركته ومسك جدول أعماله ولقاءاته، بل بات ظله الذي لا يفرق بينهما الا ساعات نوم «الشيخ» او خلواته. خبر كواليس القرارات في الحركة وعاصر كل اللحظات الحاسمة.

خمس سنوات أمضاها الشهودي كظلّ للغنوشي وحافظ لإسراره وأسرار الحركة، خمس سنوات تكتم فيها الشهودي على تفاصيل ومعطيات هامة في الحركة قرر اخيرا ان يطلق سراح بعضها في رسالته التي عقبت عملية تغييره.

رسالة حملت الكثير من المفاجآت ومعطيات تاريخية جمعها الرجل في جعبته منذ كلّفه حمادي الجبالي، الامين العام السابق في الحركة، بالاستعداد لاستقبال رئيس الحركة راشد الغنوشي لدى عودته من انجلترا سنة 2011.

عودة كشف الشهودي انها لم تكن محلّ ترحيب كبير من النهضاويين في الداخل، فالرجل وان اكّد انه لم تكن لديه ولدى مجموعة من الحركة في الداخل أي ترددّ في استقبال رئيس الحركة، بل كان هناك خلاف حول قدرتنا الهيكلية على استقبال شخصية كبيرة في وضع غامض حينها. استرسل في شهادته وقال ان تلك الفترة اتسمت بكثرة الرافضين لهذه العودة و سخط الأغلبية الساحقة على محاولات إعادة البناء.

سخط ورفض كان ليحول دون عودة راشد الغنوشي ومجموعة المهجر التي كانت تعيش صراعا شديدا، وفق الشهودي، الذي قال ان حمادي الجبالي تمسك باعادة بناء الحركة تحت غطاء القيادة الشرعية في المهجر التي أفرزها مؤتمر المهجر الثامن، وتمسكه بتجنب تُنَازَع الشرعية مع راشد الغنوشي. خيارات ولّدت غضبا لدى قادة الحركة وقواعدها في الداخل، وقع التكتم عليها لسنوات خمس.

خمس سنوات كان فيها الشهودي يكتم غضبه على بعض الخيارات التي اتخذتها الحركة، لكن انتهاء أشغال المؤتمر العاشر وما افرزه من هيمنة للشق الذي كانت عودته منذ 5 سنوات مرفوضة، دفع به الى أن يختار أن يكون في ركاب مجلس الشورى.
الهيكل الوحيد في الحركة الذي ظلّ متنفسا لمعارضي خيارات رئيس الحركة، فالقانون الأساسي الجديد للحركة جعل منه هيكلا يحدث التوازن في إدارة الحركة خارج الجهاز التنفيذي الذي اختير له مبدأ التجانس، أي ان يكون متناغما مع رئيس الحركة.
تناغم رفضه الشهودي الذي خير ان ينسحب من الجهاز التنفيذي، والذهاب الى مجلس الشورى ليحتمي به ويعبر عن رأيه «فلم يعد التنفيذي يسع مبدأ التنوع بموجب القانون الأساسي» هذه هي الكلمات التي عبر بها عن أسباب قراراه.

قرار قال انه يشترك فيه مع كلّ من سمير ديلو وعبد اللطيف المكي وعبد الحميد الجلاصي ومحمد بن سالم، من اجل جعل مجلس الشورى سلطة توازن سلطة رئيس الحركة وتقوم بدور رقابي.

خيار قال الشهودي انه من مبدأ «حرية الفكر والرأي قبل الموقع»، والحرية تقتضي منه ان يبتعد عن الشيخ الذي رافقه لخمس سنوات من اجل ان يعبر عن رفضه لما الت اليه الاوضاع في الحركة، التي تكتمت طوال تاريخها عن صراعاتها الداخلية الى ان عجزت عن التكتم اكثر.

فكشف ما اخفت الحركة عن صراعين يشقانها وسيظلان كذلك، صراع بين الداخل والمهجر الذي يتفرع ليكون من بينه صراع بين روافد المهجر أي صراع بين خط الغنوشي والخط المناهض له.

والمناهضون يتداخل الذاتي مع الموضوعي لديهم، فأخطاء الماضي التي لم تعالج وأخطاء الحاضر التي تتراكم من وجهة نظرهم سببها، تفرد الشيخ بالقرار في الحركة ومجموعة مقربة منه، مجموعة يعتبرها المحافظون/شق الداخل/ شق السجن هيمنت على الحركة وهي من تخلت عنهم وعنها في السابق. غضب يحتدم وسيتواصل بسبب فتح ملفات القديم وتجربة النهضة مع نظام بن علي، وهو ما قام به الضحايا في شهادتهم ضمن العدالة الانتقالية.

الشهودي الذي خير ان ينتصر لقناعته على البقاء في موقعه، كظلّ لراشد الغنوشي وحافظ سرّه، سيكون لقرراه ولكتابه الذي سيصدر اثر والارتدادات على حركة النهضة التي باتت غير قادرة على حبسها خلف الجدران وغير قادرة على الظهور كجسم واحد موحد خلف رئيسها الذي ظلّ الغاضبون منه حريصين على تثمين دوره والثناء عليه. يوما عن يوم تصبح حركة النهضة حركات تتناقض تصوراتها وتتشابك علاقتها لتضفي على مستقبلها، المتوسط والبعيد، الكثير من الغموض. فهل تصمد النهضة ككيان واحد او تتشتت لكيانات عدة... لا احد يمتلك الإجابة عن هذا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115