مبروك كورشيد كاتب الدولة للأملاك العقارية: لا يوجد فساد وإنما ضعف في الرقابة

• الحكومة مطالبة بجعل الاستثمارات والدعم أمرا واقعا
انتهت نشوة نجاح تنظيم مؤتمر الاستثمار تونس 2020 ولم يبق لحكومة الشاهد غير ان تجعل من المبالغ المرصودة كقروض أو دعم أو استثمار تجد طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع، وهذا يتطلب جملة من الاجراءات والقرارات

المتعلقة بأكثر من ملف عالق، من بينها الملف العقاري، الذي يديره كاتب الدولة للشؤون العقارية مبروك كورشيد، بعد أن اتخذت حكومة الشاهد قرار فصلها عن وزارة المالية وتغيير صبغتها من كتابة دولة إلى وزارة، «المغرب» التقت بكورشيد الذي حافظ على صفته في الحوار التالي:

• انتهت أشغال مؤتمر الاستثمار وبات إنجاح ما حقق فيه منوطا بحكومتكم المطالبة بحل حزمة من الملفات العالقة وأبرزها الملف العقاري؟
بكل تأكيد، نحن في الحكومة نعتقد ان نجاح مؤتمر الاستثمار بيد التونسيين وليس بيد أحد غيرهم، وان كان الاجانب من مسؤولين ومستثمرين قد تحدثوا بشكل جيد عن تونس كما هو حال الصحافة العالمية، وهو ما يؤكد ان هنالك بوادر ومؤشرات قوية بعودة تونس كبلد قادر عن تحقيق نسب نمو قوية.
لكن كل هذا مرتبط بنجاح الحكومة في جعل الاستثمارات والتنمية تغادر محمد الخامس، أين انعقد المؤتمر وتطبق على أرض الواقع. وما ستنجزه من اجل ذلك، ونحن كوزارة لاملاك الدولة بادرنا تلقائيا بانشاء لجنة للاحاطة بالمستثمرين، وهي لجنة عهد لها النظر في الاشكاليات العقارية التي تواجه المستثمرين او قد تواجههم، وشخصيا التقيت ببعض رجال الاعمال الأجانب وتعهدت لهم بحل بعض الاشكاليات التي يواجهونها.

• أبرز خلاف يتعلق دائما بصبغة الارض، وتونس منذ اربعين سنة تواجه ازمة الاراضي الاشتراكية؟
لقد وقعت صياغة قانون جديد للأراضي الاشتراكية، وهو قانون يخضع الأراضي إلى السلط الجهوية الممثلة في الولاة الذين باتت ملفات الأراضي الاشتراكية بيدهم. وهذا تطور هام سيساهم في حل الملفات العالقة خاصة وانه قريب ومتابع عن كثب لهذه المواضيع، اما نحن كوزارة لاملاك الدولة والملفات القديمة للأراضي الاشتراكية التي تحت أنظارنا فان لجنة تصفية الاراضي الاشتراكية تشتغل على معالجتها ليلا نهارا.

• ترك الامر بيد الولاة ليس بالضرورة معالجة للملف الأراضي الاشتراكية آنيا وهذا سيكون عائقا للاستثمار؟
لابد من توجيه المستثمر الى الاراضي التي ليست لها صبغة اشتراكية وانما للأراضي العقارية ويجب ان تكون هذه استراتيجية الدولة فلا يجب ان نعد المستثمر بانجاز عمل في أراضي لا تزال قيد البحث والتدقيق أو هي محلّ نزاع.

• تحدثت عن قانون جديد للاراضي الاشتراكية، وهناك قانون جديد للانتزاع للصالح العام والحال ان هناك مشروعا معطلا في ولايتك، مدنين بسبب رفض مواطن السماح باستغلال أرضه ما لم تستجب الدولة لشروطه التي تتضمن مخالفة للقانون؟
هنا ليس هناك اشكال عقاري وانما اشكال ثقافي، فالمشكل يكمن في العقل. و الثورة الثقافية هي اول مشاريع الثورات الحقيقية في العالم، ماو تسي تونغ أطلقتها في الصين التي باتت تنينا بسط يده على ثلثي العالم. اليوم المسألة ثقافية فان يعطل مواطن مصلحة عامة كبرى لكل مدينته مقابل نفع ذاتي هو لا يعتدي فقط على الدولة ومدينته وانما على عائلته ومستقبل ابنائه. اليوم الدولة والسلطة القضائية عليهما ان يكونا جريئين ويطبقان القانون الذي فيه حلول واضحة.

• اشكال ثقافي تشير اليه سيواجهكم في الكثير من المحطات القادمة، فمشاريع البنية التحتية المبرمجة تستوجب انتزاع او استغلال أراضي مملوكة لمواطنين أي ان إمكانية تكرار ما حدث في مدنين واردة؟
القانون الجديد في الانتزاع للمصلحة العامة يسهل اجراءات الانتزاع مقابل تقديم ضمانات تتمثل في تقديم تعويض عادل مقابل انتزاع ممتلكاتهم. في السابق الناس كانت تشعر بالغبن لانتزاع ممتلكاتها بسبب غياب التعويض العادل اما اليوم فهنالك لجان حمائية تقوم بتقييم حقيقة الملك وتقديم تعويض بقيمته دون زيادة او نقصان. اليوم هناك قانون انتزاع جديد دخل حيز التنفيذ والان علينا تغيير الذهنية وإدراك ان ما يتم انتزاعه هو للمصلحة العامة وليست الخاصة ولهذا أقول ان الأمر هو أمر ثقافي. صحيح ان هناك بعض السلوكيات غير الجيدة لكن التونسي ليس متمردا على القانون هو فقط يحتاج لمن يخاطبه ويؤطره، وهنا لنا تجربة تتمثل في تقدم احد المواطنين في أريانة بإعادة أرض مساحتها اربع هكتارات إلى الدولة وهو الذي تملكها منذ ثلاثين سنة لكن بالتأطير والتوعية استجاب.

• أنت تشير إلى حادث عرضي والحال ان جزءا كبيرا من أراضي الدولة تستغل بطريقة غير قانونية؟
لا نستطيع ان نعالج كل الملفات في وقت واحد هناك أولويات.

• وماهي أولويات وزارتكم؟
أولويات الوزارة هي استعادة الأراضي الفلاحية الكبرى التي تمتد على مساحات بين 2000 و3000 هكتار، هذه الأراضي هي ضمان السلة الغذائية للتونسي وقد حافظت عليها الدولة كمساحة كبرى موحدة غير مجزآة كوحدات انتاجية كبرى ولهذا غير ممكن لنا اليوم ان نسمح بتجزئتها تحت اي شكل. بما فيها تفريط الدولة في هذه المساحات لصالح الافراد وانما يجب ان تعالج في اطرار خطة وطنية مدروسة تضمن حسن استغلال هذه المساحات. وهذا ما نشتغل عليه اليوم مع وزارة الفلاحة لنحدد أفضل أشكال التصرف التي يمكن ان نتبعها في اطار الشفافية. وهنا لا بد من الاشارة الى أمر هام وهو ضرورة التخلي عن شيطنة رأس المال الوطني، صحيح انه في السابق كان هناك تفويت في ضيعات وأراضي فلاحية كبرى عن طريق المحاباة والموالاة، الا اننا اليوم قد قطعنا مع ذلك لذا لابد أن نتوقف عن الشيطنة وتركه يقوم بدوره.

• ألن تقوموا بتثمين تجربة جمنة ومحاولة اعتمادها نموذجا في التصرف المحلي للأراضي الفلاحية الخصبة كان يقع تقديم امتياز التصرف لمجموعة موحدة من الفلاحين الصغار ؟
الفلاحون الصغار قدمت لهم الدولة مقاطع فلاحية صغيرة منذ تسعينات القرن الماضي، وقد منحت الدولة كل التشجيع لهم أما الأراضي الكبرى فيجب ان تعطى في اطار مقاربة تقوم على الحفاظ على الملك العام الموحد، لذلك يجب ان تكون المقاربات التسييرية في إطار الحفاظ على المكتسب ويمكن أن تكون في حالات تعاضدية وهي محدودة أو تاسيس شركات الاحياء وثالثا إدارتها بشراكة الدولة والمواطن في تنمية عقار معين بفكر تشاركي، وهذه المقاربة الأكثر منطقية من وجهة نظري، وذلك لمنع تقسيم أملاك الدولة فامكانية تشتيت الأراضي الكبرى أمر وارد جدا إذ وقع تسويغها أو تقديم امتياز الاستغلال دون تدخل من الدولة لمجموعة من المواطنين. هذا الملف يجب أن يعالج بعقلانية وليس بعاطفية.
لذلك فنحن في وزارة أملاك الدولة نعتبر أن دورنا الأول هو استرجاع الأراضي المملوكة للدولة كما استرجاع كل عقارتها . وللاسف مؤسسات الدولة اليوم غير قادرة على القيام بهذه المهمة بالشكل الكافي، وهذا يمثل خطرا على مستقبل الأجيال القادمة. فهناك معضلة كبيرة مع العقارات الفلاحية المملوكة للدولة.

• وكيف سيكون مستقبل الممتلكات العقارية في المدن التي تعاني من وضعية صعبة بلغت تهلهل وانهيار للعقارات واستمرار إشكاليات ملك الأجانب؟
الدولة لها العديد من المكاسب والعقارات واعتقد ان أهم مكسب ومدخل للدولة يكون من ممتلكاتها.

• هل بادارتها أم بالتفويت فيها؟
بالإدارة ويجب أن يكون التفويت محدودا والحفاظ على مدخرات عقارية كبرى للأجيال القادمة، التفويت في كل هو كمن يبيع مستقبل الأجيال القادمة وهو كأب عائلة فاشلة ورث عن أبيه أرضا فوت فيها ولم يترك شيئا لابنائه، هذا لا يجب أن يحدث في تونس الآن.

صحيح أنه في السابق كان هناك اشكال في ادارة الملك العام التي كانت تعتبر صناديق سوداء في تونس، يقع التفويت فيها لبعض الاشخاص او كراؤها ازاء خدمات قدموها كما منح ملك الأجانب لاشخاص معينين، اليوم نحن شهدنا تغييرا جذريا في البلاد اليوم يجب ان نعيد تحوز املاكنا والتصرف فيها بشكل جديد شفاف.

• لكن وزارتكم لا يزال ينظر اليها على انها من بؤر الفساد او بصورة ادق على انها الماسك بالسكين لقطع كعكة الحلوى على من يرضى عليه الماسك بالسلطة خاصة وان هناك أقسام تلاحقها شبهة الفساد وسوء التصرف على غرار ما يحدث في العقارات الكبرى؟

لا يوجد فساد يوجد ضعف في الرقابة، والضعف في الرقابة يؤدي الى الفساد ومقاربتي في الوزارة هي تقوية اجهزة الرقابة، وقد نجحنا في تقليص نسبة المخالفات في السيارات الادارية الى ٦ %، واليوم نشتغل مع اجهزة الرقابة وهي محل ثقة كبرى وانا اعول عليها للكشف عن الاخلالات والفساد سواء الهيكلي او الشخصي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115