الحكومة والاحتجاجات على قانون المالية: تقليل حجم الضرر لسحب اوراق الضغط من ايدي الجميع

« الاضراب ليس نهاية العالم » هذه العبارات ترفعها حكومة يوسف الشاهد لتخفف عن نفسها ثقل الازمات التي تواجهها منذ ان اعلنت عن الخطوط العريضة لقانون مالية 2017، كلمات تراهن الحكومة على انها ستخفف عليها مما هي فيه وستبعث بها رسائل للداخل والخارج

مفادها انها الاقوى حتى وان عارضها كل من على هذه الارض، كما انها لن تتفاوض تحت الضغط او التهديد.

مر الاسبوع الفارط كأنه دهر على حكومة الشاهد، التي راقبت عن كثب الاحداث والتطورات واستمعت الى الأصوات الغاضبة المرتفعة من اكثر من مكان وحملتها الرياح الى ساحة القصبة بتونس، اسبوع ابرز الاحداث فيه كانت اضرابا عاما نفذه كل من المحامين والصيادلة، اقرار الهيئة الادارية الوطنية للاتحاد الاضراب العام في الوظيفة العمومية يوم 8 ديسمبر القادم، فشل جلسة 4زائد 4، تصعيد المحامين في جلستهم العامة الاستثنائية للخطاب والاعلان عن انعدام ثقتهم في الحكومة.

تطورات واحداث قابلتها حكومة الشاهد بكلمات وجدت فيها حلها السحري، « الاضراب ليس نهاية العالم » و « الاضراب حق دستوري مشروع »، كلمات لا تعبر بالاساس عن حالة العجز التي بلغتها وانسداد كل السبل امامها، بقدر ما هي اعلان انها بلغت الحد في التنازل والتفاوض، وبالاساس مع اتحاد الشغل. وان علاقتها مع الجميع ستكون بمنظور جديد، الحكومة ليست في موضع ضعف ليتم الضغط عليها فتستجيب.

خيار الحكومة انتهاج مسار تفاوضي جديد يهدف الى تحقيق مطلب اساسي وهو سحب اوراق الضغط من ايدي خصوم قانون ماليتها لسنة 2017، او كما يعرف اصطلاحا بمفاوضات تسكين الأوضاع التي يقع اللجوء اليها في حالات البحث عن تقليل من حدة الصدام وترحيل الازمة الى سياق مغاير يكون فيه متبع هذا الخيار في حل من الضغوطات.

هذا التوجه تعبر عنه الحكومة باكثر من طريقة، سواء حينما انطلقت في تطبيقه مع المنظمات الاجتماعية والهياكل المهنية باستثناء الاتحاد وذلك بخطاب قوامه نتفاوض ولكن لن تتغير الفصول الاشكالية في قانون المالية، المتعلقة بالاساس باجراءات جبائية تشمل المهن الحرة او برفع في نسبة الضريبة على الارباح بـ7.5 بالمئة. وهو ما واجهت به الحكومة كل من اضراب المحامين الاول والثاني وبيانهم الذي اعلن عن بداية الصدام معها.

تجاهل غير مباشر مع التشديد على ان الاضراب حق دستوري، خليط تعتبره حكومة الشاهد كفيلا بسحب ورقات الضغط ودفع خصومها الى الجلوس الى طاولة التفاوض دون تشنج وفي موضع لا يسمح لهم بالتهديد او لعب ورقات الضغط، وهو ما سيدفع من وجهة نظرها بالمنظمات والهياكل اما الى التهدئة فتحقق هي كسبا او الى التصعيد اكثر وهذا يجعلها تحقق نقاط فوز ثمينة لدى الرأي العام.

نجاح هذه السياسة مع الاطباء والمحامين والصيادلة دفعها الى اتباعها مع اتحاد الشغل الذي بدوره بات يتبع خيار « لا تفاوض » بعد ان فشلت كل الجلسات السابقة، وبات الاضراب العام في الوظيفة العمومية شبه محسوم، ما لم تحصل المعجزة ويقرر المكتب التنفيذي عكس ذلك، وهذا مستبعد بسبب قرب موعد مؤتمر الاتحاد، وحرص البعض على الخروج سالمين منه او تعزيز حظوظ الفوز للاخرين.

رهانات النقابيين تدركها حكومة الشاهد التي يبدو انها قررت اتباع طريقة التفاوض التي تعتبرها نجحت مع البقية لمواجهة تصلب الاتحاد، فهي تدرك ان ذهاب الاتحاد الى الاضراب العام رغم العرض الجيد الذي قدمته له سيسحب من تحته البساط خاصة ان نفذ الاضراب، فالاتحاد سيفقد ابرز ورقات ضغطه، وهي الاضراب، التي تعتبر في المفاوضات بمثابة السلاح النووي يهدد به ولا يستعمل الا في حالات نادرة جدا.

فقدان ورقة الاضراب « لتاثيرها » هو ما تراهن عليه الحكومة لدفع الاتحاد الى القبول بمقترحها وتفادي التصعيد في المراحل القادمة، ودفعه الى الجلوس الى طاولة الحوار باقل عدد من اوراق الضغط، بل تعرض عليه الاستمرار في الحوار حتى بعد تاريخ الـ8 من ديسمبر القادم، موعد الاضراب، وهي تعلم جيدا ان ابرز محطاتها وهي مؤتمر الاستثمار لن تشهد اي شوشرة او رفعا لنسق التوتر، بل انها تنظر الى الوقفة الاحتجاجية للمعلمين والاساتذة على انها في صالحها لن تؤثر على سير اشغال مؤتمر الاستثمار.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115