• بعد توليك حقيبة وزارة من بين أهم الوزارات وأكثرها تعقيدا ماهو تقييمك للوضع الاقتصادي في البلاد ؟
تعيش البلاد منذ 5 سنوات وضعا اقتصاديا صعبا نتيجة تعطل االمحركات الكبرى للاقتصاد الوطني بما فيها الفسفاط و السياحة و تراجع القطاع ألفلاحي وهذا يعود إلى السياسة التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة على امتداد 5 سنوات في الميزانية القائمة على الترفيع في حجم الميزانية من 19 مليار دينار إلى 30 مليار دينار و ارتفاع كتلة الأجور من 6 مليار دينار إلى 13.4 مليار دينار في نفس الفترة زد على ذلك ارتفاع المديونية من 25 مليار دينار إلى 55 مليار دينار , كل هذه العوامل ساهمت في عجز ميزانية الدولة الـذي تطـوّر من 1 % ليصل ما بين - 5 و6- %. و بالتالي لم يعد أمام الدولة خيارات سوى إسترجاع ثقة المستثمرين المحليين والأجانب لا سيما بعد إغلاق 2000 شركة منها 600 شركة أجنبية .
و بالرغم من كل هذا تبقى تونس القطر الأكثر تنافسية في البحر الأبيض المتوسط نظرا للكفاءات التشغيلية والإمكانيات اللوجستية التي تزخر بها ، هذا فضلا عن الاتفاقيات والتبادلات الحرة مع الاتحاد الأوروبي والقرب الجغرافي من أوروبا.
لم أتفاجئ عندما توليت حقيبة وزارة التنمية والتعاون الدولي بما وجدته وأيضا لم أتعرض إلى مسائل لم يقع التطرق إليها سواء عن طريق الندوات أو الملتقيات أوالمجالس الوزارية فجميع الضغوطات التي تعيشها البلاد خاصة على المستوى الاقتصادي والامني والاجتماعي باتت بارزة للرأي العام وشخصيا أؤمن بتحسن الوضع مع حسن تصرف الإدارة و تخصيص رصيد مهم للاستثمار الذي يعكس أهمية توجه البلاد نحو خلق المشاريع و جلب الاستثمارات في سبيل التنمية، وهي الهدف المنشود .
• كيف يبدو حسب رايك مناخ الاستثمار اليوم ؟
نحن أمام وضع صعب يزيد في تعقيد المناخ الاستثماري ويعيقه و لكن لابد من الإصلاح الذاتي وتونس اليوم تحتاج إلى تحرير الطاقات وتجديد الكفاءات وإذا تم ذلك فان البلاد قادرة على التطور بقوة وهذا اعتقاد مبني على مؤشرات واقعية وليس عملا سياسيا أو إفراطا في التفاؤل اذ يجب علينا أن ننظر إلى البلاد بأكثر ايجابية و نبتعد عن المزاج السلبي الذي يزيد من تعقيد المسائل.
• ألا ترى أن الاتحاد العام التونسي للشغل سيزيد الوضع الاقتصادي صعوبة لا سيما أن هناك غليانا في القواعد الشغيلة وصل إلى دعوات بالإضراب العام؟
اليوم نحتاج إلى جسر عبور بين سنتي 2016 و2017 يتمثل في فض مشكلة العجز في الميزانية المالية العمومية لسنة 2016-2017 والتفكير معمقا في اسباب النمو التي تجعل من البلاد خارج اطار العجز ونشير في هذا الصدد الى ان العديد يتحدثون عن اعتماد الدولة لسياسة تقشفية في ميزانية الدولة وهو ما لم يحدث اطلاقا فبالزيادة التي حصلت في ميزانية حجم الاستثمار و كتلة الأجور وحجم الديون المتراكمة لا يمكن ان نتحدث عن سياسة تقشفية لان التقشف الحقيقي يقضي بالتقليص في حجم الأجور والتخفيف في الاستثمار من طرف القطاع العمومي وهو ما لم تعمد إليه الحكومة.
وفيما يتعلق بمسألة التزام الدولة بترفيع الأجور تجاه الاتحاد العام التونسي للشغل والالتزام بتجميد الأجور فهو النقطة الأهم وسط كل هذا وهو ما يجعل الحكومة ممزقة بين الممولين من الخارج من جهة والمنظمة الشغيلة من جهة أخرى ونحن نتفهم موقفهم لأننا نؤمن باستمرارية الدولة وعلى الدولة أن تفي بتعهداتها والحكومة مازالت تواصل التفاوض مع الاتحاد العام التونسي للشغل بالرغم من بيان الاتحاد الذي يعتبر أن المفاوضات ممكنة في حالة تفعيل الاتفاقية.
• بالنسبة للملفات التي خلفتها الحكومات السابقة وبقيت عالقة خاصة بعض الملفات التي أثارت ضجة على مستوى وزارتكم مالجديد فيها وكيف تم التعامل معها ؟
في الحقيقة مازالت في مرحلة استيعاب لبعض الملفات ولقد اندمجت و تفاعلت بنسق أسرع مما كنت اتوقع والفضل يعود الى التعاون الكبير الذي وجدته من الزملاء في الوزارة وعموما فان الملفات الكبرى تعتبر واضحة المعالم , وهي التعاون الدولي وقانون الاستثمار الجديد والندوة الدولية للاستثمار التي نستعد اليها اليوم وشخصيا اعتبر ان المحور المهم في الوزارة والذي يستوجب اهتماما بالغا يتمثل بالاساس في منظومة التنمية الجهوية التي يجب اعادة النظر فيها و نحن حاليا بصدد التفكير في خطط لإحداث مشاريع في الجهات.
• يبدو ان هناك ضبابية في حجم المشاريع المعطلة في القطاع الخاص او العام مالجديد في هذا الملف واين وصلت نسبة التقدم في الانجاز؟
بالنسبة للمشاريع الحكومية يمكن ان نقول ان جميعها تقريبا قيد التنفيذ أما في ما يخص المشاريع الخاصة ومشاريع الأجانب مازالت هناك تعطيلات قد يصعب فهمها أحيانا لعدة اعتبارات من بينها كثرة الإجراءات الإدارية.
• بالنسبة للاستثمار في الجهات هناك ميزانيات مرصودة تجابه صعوبة في التنفيذ من بينها قلة شركات المقاولات في الجهات وبعض المشاكل العقارية متى ستحل هذه الإشكالات ؟
نعم هناك إشكاليات كبرى تتمثل في المشاكل العقارية هناك صعوبة في تحول صبغة الأراضي من أراضي فلاحية إلى صناعية هذا فضلا عن التعقيدات الإدارية والتي تتسبب في بعض الأحيان في تعطيل المشاريع الحكومية .
• تعـرض المخطط الخماسي للانتقاد فهل هناك مجال لتعديل بعض النقاط ؟
من المؤكد أن يتعرض المخطط للتعديل وفي الوقت الذي لا يمكن انجاز جميع ما ورد فيه ولكن من الجيد وضع خارطة طريق لمدة 5 سنوات من اجل إبراز المحاور الكبرى ويبقى الأمر مرتبطا بالإمكانيات المتاحة التي ستتوفر آنذاك وربما تتوفر إمكانيات أفضل في المستقبل تسمح بتجاوز ما نص عليه المخطط الخماسي.
• بغض النظر عن تعطيل الإجراءات هناك بعض القوانين التي لم تعد تتماشى مع الواقع اليوم هل هناك توجه نحو تجديد البعض منها ؟
فعلا لابد من إعادة النظر في بعض القوانين لا سيما أننا مازلنا محكومين بقوانين تم سنها منذ الستينات وقبلها وهناك سعي نحو التجديد و لكن في 85 يوما لا يمكن حل جميع الإشكالات .
• لو تحدثنا عن قانون الطوارئ الاقتصادي ؟
يطبق قانون الطوارئ على المشاريع التي يبلغ حجم رأسمالها 25 مليون اورو كاستثمار أو 500 شخص كطاقة تشغيل أولية ويتحصل على أولوية التراخيص الإدارية المتعلقة بالبناء أو بتراخيص البنية التحتية و بتصنيف الأراضي الفلاحية أو صناعية لتسريع المشاريع.
• نأتي للحديث عن الندوة الدولية للاستثمار ؟
في الندوة الدولية للاستثمار سيتم دعم القطاع الخاص الأجنبي و التونسي والمشاريع القائمة على الشراكة الخاصة العمومية وسيقع تقديم 140 مشروعا بقيمة 70 مليار دينار بين المشاريع الخاصة والعمومية و منها القائمة على الشراكة بين العام والخاص.
• لقد تم خلال مؤتمر «استثمر في تونس الديمقراطية الناشئة» زمن حكومة المهدي جمعة تقديم 22 مشروعا جاهزا لكنها لم تنفذ لان مشروع القانون الخاص بها كان حينها قيد الدرس في رحاب مجلس النواب فهل ستتم مواصلة هذه المشاريع ام أن هناك حزمة جديدة من المشاريع المغايرة ؟
بالطبع سيتم تقديمها بالقوانين وبالأوامر الحكومية مع إضافة مشاريع جديدة.
• في ما يخص الندوة الدولية للاستثمار من هم أبرز الحضور الذين سيكون لهم التأثير الأكبر حسب رأيك ؟
هناك مؤتمران داخل اطار الندوة, المؤتمر الأول ذو طابع سياسي بالأساس ينطلق مع منتصف اليوم الأول يضم رؤساء حكومات و وزراء خارجية ووزراء اقتصاد وأمراء وعدد من المنظمات الداعمة لتونس مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي الأمر الذي يعكس مكانة تونس الكبرى.
اما المؤتمر الثاني فيتعلق بالمجال الاقتصادي في مجالات التعليم و الصحة والبنية التحتية و تكنولوجيات الاتصال.
سنسجل أيضا حضورا لشركات عالمية من أوروبا وآسيا منها général Electric ومن بين الشخصيات الرئيس ديبراج وهو شخصية عالمية لها وزن ثقيل على المستوى العالمي. ورئيس الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (FADES) ورئيس البنك الدولي للانشاء والتعمير(BIRD) وهم من الشخصيات المالية النافذة في العالم ويعلمون جيدا ان تونس من بين الوجهات الاستثمارية المميزة وبالتالي نحن امام مؤتمر استثماري ضخم بحزام سياسي كبير نأمل من التونسيين أن يتفاعلوا ايجابيا مع هذا الحدث.
• تحدثتم سابقا عن عودة بعض المستثمرين الى تونس فماهي جنسياتهم و ماهي القطاعات التي ينشطون فيها؟
نعم ستكون هناك عودة لعدد كبير من المستثمرين إلى السوق التونسية من بينهم مستثمرون من أمريكا أما عن القطاعات التي سيقع الاستثمار فيها فتتمثل في الصناعات الثقيلة وتكنولوجيات الاتصال, والبنية التحتية والسياحية وسيتم في هذا المؤتمر توقيع عشرات الاتفاقيات.
• مع الإمكانيات البشرية والكفاءات التي تزخر بها تونس هناك تعقيد كبير في الإجراءات التي تساهم في تنفير المستثمرين من التفكير في السوق التونسية و جلب المشاريع، كيف يمكن التخلص منها ؟
طبعا ستعمل هيئة الاستثمار التي تم إحداثها في قانون الاستثمار الجديد على معالجة هذا الاشكال من خلال المساعدة والتنسيق مع جميع المصالح الإدارية في وقت قياسي والتخلص من ازمة التعقيدات الادارية .
• رغم المجهودات المبذولة في تحسين صورة تونس بالخارج الا أن الاحتجاجات وعدم التوافق الاجتماعي يبعث رسائل سيئة للمستثمرين خاصة الاجانب . حسب رأيك ماهي الحلول ؟
على الاتحاد أن يمنحنا هدنة لكي يعود الاستثمار بقوة ومعه تتوفر حالة من الاستقرار تساعد على ضمان التطور المطلوب للبلاد وتونس قادرة على إنتاج الثروات وقادرة أيضا على اقتسام الرفاه والنمو لكن يجب اولا توفير ظروف اجتماعية واقتصادية وأمنية وسياسية مستقرة. هذا بالاضافة الى الصبر وإعطاء الثقة في النفس.
• مالمطلوب اليوم من التونسيين ؟
المطلوب أمران اولا الإيمان بالقدرات وثانيا الصبر لأن النمو الاقتصادي قريب جدا و يجب على التونسيين أن يؤمنوا أن ما حدث في تونس استثناء في العالم بالرغم من جميع العقبات وبالرغم من اختيارنا لنظام برلماني يعتبر النظام الأكثر تعقيدا فإننا مطالبون بإنجاح حكومة الوحدة الوطنية والنجاح لا يتم بالحديث فقط إننا بالحقيقة والامل في الوقت نفسه.
• ماهو الخطاب الذي يجب ان يسوق بعد الندوة الدولية للاستثمار ؟
لا بد من مصارحة الرأي العام بنتائج هذا المؤتمر والالتزامات التي تم أخذها من طرف الدول والمؤسسات المالية ومتابعة جميع الملفات والمشاريع.
• كم يلزم من الوقت والمال لتتعافى تونس اقتصاديا ؟
تحتاج تونس الى 3 سنوات لتستعيد نسق النمو الطبيعي للاقتصاد ويلزمها ضخ ما بين 20 أو 25 مليار دولار .
• هل هناك موارد مالية أخرى تسعى تونس لجلبها ؟
بطبيعة الحال لابد من جلب الموارد المالية لتفادي العجز في المالية العمومية .
• ماذا سيحدث إذا لم تنفذ تونس تعهدها مع صندوق النقد الدولي ؟
في حالة عدم الإيفاء بما تم الاتفاق حوله مع صندوق النقد الدولي فان هذه المؤسسة المانحة ستمتنع عن إسناد القرض ولن نجد ساعتها من يقرضنا الا بشروط مجحفة وفائض مرتفع جدا لن تكون البلاد قادرة على تحمل نتائجه.