لها في القانون الوطني لم تجد بعد طريقها إلى النور، وهو ما دفع بمكوّنات المجتمع المدني إلى المبادرة بتقديم مشروع قانون لتجريم التمييز العنصري والقضاء على جميع أشكاله.
بالتزامن مع اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، عقد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية واللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، أمس بمقر المنتدى، ندوة صحفية حول الحاجة إلى قانون يحمي من التمييز، وذلك بحضور بعض النوّاب ورؤساء الكتل البرلمانية، وجمعية «منامتي».
كارثة أخلاقية في المجتمع التونسي
رغم أن تونس ألغت الرّق سنة 1846 في عهد أحمد باي، إلا أن الميز العنصري تجاه ذوي البشرة السوداء، الذين يواجهون كل أشكال التمييز والتهكّم والنظرة الدونية، لايزال مستشرٍ في المجتمع التونسي، ومن بين المتضرّرين من هذا التمييز رئيسة جمعية «منامتي» سعدية مصباح، التي سردت خلال الندوة بعض الوقائع والمواقف المسيئة لشخصها لأنها ذات بشرة سوداء، مؤكّدة أن السخرية من ذوي البشرة السوداء يعتبر «أمرا عاديا» في الجنوب التونسي خاصة، من ذلك نعتهم بـ»العبيد»، إلى جانب اعتماد تسمية «عتيق فلان» في الوثائق الرسمية في إشارة إلى من أعتقه من العبودية، وفي ذلك عدّة أمثلة، حدّ الوصول إلى تخصيص حافلة لذوي البشرة البيضاء وأخرى لذوي البشرة السوداء.
من أجل مشروع قانون يجرّم العنصرية
دولة القانون تجد نفسها عاجزة عن مواجهة جملة من الممارسات، التي تثير الاشمئزاز الاجتماعي لكنها غير مجرّمة قانونا، فالمجلة الجزائية الحالية خالية من كل نصّ أو سند قانونيين يمكن الاعتماد عليهما لتجريم هذا النوع من الممارسات والأفعال، كما أن القانون المدني باختلاف فروعه لم يضع ضوابط لهذا النوع من الانتهاكات، لذلك أكّد عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مسعود الرمضاني ضرورة سنّ قانون لتجريم مثل هذه الأفعال المشينة في حق الإنسانية، وتجسيده في الواقع، لا أن يكون حبرا على ورق.
رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، رامي الصالحي أكّد لـ«المغرب» أنهم سيشكّلون لجنة قانونية تتكوّن من قاضيين ومحاميين، من أجل تقديم مشروع قانون دقيق يستجيب للمواصفات التقنية القانونية، ليكون في مستوى قانون قابل للنظر في مجلس نوّاب الشعب، ليُقدّم بعد شهر ونصف على أقصى تقدير.
تفاعل إيجابي من النوّاب الحاضرين
اقتراح مبادرة تشريعية على البرلمان يتطلّب توقيع 10 نوّاب، ومن بين النوّاب الحاضرين في هذه الندوة، محمد الفاضل بن عمران رئيس كتلة نداء تونس بمجلس نوّاب الشعب، الذي أكّد بدوره أن هذا النوع من القضايا الاجتماعية مسكوت عنه، لذلك من الضروري التعامل إيجابيا مع مقترح هذا القانون.
النائب عن آفاق تونس كريم الهلالي، أبدى استعداده للتفاعل مع هذه المبادرة، معتبرا عدم وجود قانون يجرّم التمييز العنصري في تونس فراغا تشريعيا وفضيحة يجب تداركها، لتفادي الأزمة الأخلاقية والثقافية في المجتمع.
كما أكّد النائب عن الكتلة الاجتماعية الديمقراطية إياد الدهماني، أن مشروع هذا القانون وغيره من القوانين التي لها علاقة مباشرة بحقوق الإنسان هي واجب أخلاقي قبل كل شيء، معتبرا أن الثورة الحقيقية هي ثورة قيم وثورة أخلاق.
مشروع هذا القانون يهدف إلى أن يكون بداية حوار وطني شامل حول ظاهرة التمييز العنصري وخطرها المتعاظم داخل تونس، وكيفية زجرها والتصدّي لها، إلى جانب ملاءمة المنظومة التشريعية التونسية عموما مع القوانين الدولية والمعاهدات والقوانين المقارنة في هذا الشأن.
يحمل مشروع القانون المتعلّق بتجريم التمييز العنصري والقضاء على جميع أشكاله فرعين مختلفين:
• الفرع الأول يتعلّق بتجريم التمييز العنصري
يطمح هذا المشروع إلى تقديم تعريف قانوني دقيق لجريمة التمييز العنصري بالاعتماد على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري المصادق عليها بنيويورك في 7 مارس 1966 والتي دخلت حيز التنفيذ في 4 جانفي 1969 بعد أن أمضى وصادقت عليها 88 دولة من مجموع 177 آنذاك تطبيقا للفصل 69 منها.
• الفرع الثاني متعلّق بملاءمة المنظومة القانونية بهدف القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري
إن محاولة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري تفرض السعي إلى ملاءمة المنظومة الحالية مع القوانين الشغلية والقوانين المرتبطة كالضمان الاجتماعي ومنظومة التقاعد وغيرهما، بالاعتماد على هذا المعيار القانوني الجديد وهذه المهمة تتطلب مراجعة شاملة لمجلة الشغل والقوانين التابعة لها على أساس معيار واضح وترتيب جزاء صارم عند حدوث هذا النوع من الانتهاكات.