خلال احتفالاتها بالذكرى الـ60 للاستقلال: حركة النهضة ومحاولات إثبات «التونسة» ...

بين 20 مارس 2014 و20 مارس 2016 وطريقة احتفالات النهضة بذكرى الاستقلال يلاحظ تغييرا جذريا فشتان بين رفع شعارات رابعة ومساندة الإسلاميين في مصر في يوم عيد وطني تونسي صرف وبين التخلي حتى عن رفع أعلام حركة النهضة ذاتها أمس خلال احتفالاتها بالذكرى ال60 للاستقلال في شارع الحبيب بورقيبة.

ففي 2014 كانت حركة النهضة لم تستوعب بعد حتمية تونستها وكانت طريقتها في الاحتفال بعيد الاستقلال اختزالا لانغلاقها على نفسها كحركة إسلامية تمثل امتدادا لحركات الإسلام السياسي واحد تفرعاته في تونس بل وتضع هذا الفكر حتى فوق انتماء الحركة الجغرافي فكان المشهد الأبرز آنذاك خلال احتفالها بالذكرى 58 رفع النهضاويين قيادة وأنصار لشعار رابعة لمساندة إخوانهم في مصر بعد انقلاب العسكر عليهم والجميع يذكر خطابات قيادات الحركة إثره (وليس خلال الاحتفالات باعتبار أن النهضة آنذاك قد تخلت عن الحكم) وعلى رأسهم الصحبي عتيق الذي تحدث عن سحل الجماهير للذين ينوون تكرار السيناريو المصري في تونس.

وحتى بيانهم في تلك الذكرى الـ58 للاستقلال كان في ذات الاتجاه ولم يتضمن أي إشارة إلى الحركة الوطنية الإصلاحية أو مسار الاستقلال فقط سلط الضوء على انجازات المجلس الوطني التأسيسي الذي كانت النهضة ابرز مكوناته والمسيطرة عليه ودستور جانفي 2014 الذي ختم به أشغاله وكان للنهضة يد في صياغته وخاصة تخليها عن الحكم وقالت آنذاك في بيانها «وهي (أي النهضة) تشارك شعبنا إحياء ذكرى الاستقلال تذكر انه بعد المصادقة على الدستور حقق التونسيون إنجازا تاريخيا ليس له شبيه ولا نموذج سابق عندما أقدمت حكومة الترويكا برئاسة السيد علي العريض على الاستقالة والتسليم الطوعي للحكم...

أما احتفالات أمس بالذكرى 60 للاستقلال فقد حملت خطابا مغايرا وطرقا احتفالية طوت بها حركة النهضة، في المعلن على الأقل، صفحة الارتباط بالفكر الإخواني حيث تنزلت احتفالاتها في مسار توجه حركة النهضة نحو نزع عباءة الحركة الإسلامية ودخولها دائرة الأحزاب الوطنية التونسية وتونستها.

خطاب المصالحة مع الإرث الوطني
لقد كان شعارها «الاستقلال أمانة والإرهاب خيانة» ولم يقف ترسيخ صورة النهضة كحركة تونسية بحتة عند شعار الاحتفال فالمار بوسط شارع الحبيب بورقيبة من غير الملمين بأدق تفاصيل الحركة لن يلاحظ أن المنصة (خاصة قبل اعتلائها من طرف عبد الفتاح مورو) والخيمة والاحتفالات نظمتها النهضة فلا دليل على ذلك وحتى أعلامها غير موجودة هناك فقط أعلام تونس وكانت في أيدي النهضاويين في ترجمة لذهاب محددي الخطوط الكبرى لسياساتها نحو تونستها خاصة في هذا الظرف.

خطابات قياداتها ممن اعتلوا المنصة والمتوجهين إلى الجماهير أمامهم بداية من شبابها ممثلا في زياد بومخلة عضو المكتب التنفيذي للحركة إلى شيوخها ومؤسسيها ممثلين في عبد الفتاح مورو فقد قولبت في ذات الصورة فالأول (أي زياد بومخلة ) تحدث عن ضرورة الوحدة الوطنية في هذا الظرف وتاريخ الحركة الوطنية والإصلاحية التونسية التي أخرجت البلاد من وطأة الاستعمار بل وذكر رجالها من الإسلاميين و»اليساريين» وساوى بينهما في الدور الذي اضطلعا به لتحربر البلاد وإصلاحها.

وحين يصدر عن شاب من الحركة الذي هو كغيره من الشباب تحكمه الغيرة على مرجعيته الإيديولوجية في فعله وخطابه السياسي اعتراف بدور اليساريين وهم عدو الإسلاميين التاريخي في الحركة الوطنية الإصلاحية يكون من الواضح اتجاه النهضة وتعليمات محددي سياساتها بتبني خطاب يكرس ذات الصورة وذات المنهج الذي قرره رئيسها راشد الغنوشي رغم إنكار زياد بومخلة في تصريح لـ»المغرب» التغيير العميق والجذري في خطابات واحتفالات حركة النهضة بعيد الاستقلال وتأكيده أنه على الأقل يتبنى ذات الخطاب ولكن المتابع يمكنه دون عناء ملاحظة التحول.

بداية التحوّل
هذا التحول في الحقيقة انطلق منذ احتفالات النهضة بالذكرى ال59 للاستقلال أو بالأحرى قبيله فقد تزامنت تلك المناسبة ببداية إدراك حركة النهضة للواقع السياسي المحلي والإقليمي والدولي وبداية تطبيعها فعليا مع حركة نداء تونس التي كانت تصور نفسها كاستمرارية للحركة الوطنية الإصلاحية التونسية وامتدادا لفكر رمزها الحبيب بورقيبة مع بعض التحديث.

الاحتفالات بالذكرى 59 للاستقلال آنذاك تلتها بعد يومين عملية باردو الإرهابية وكانت حينها حركة النهضة قد دخلت كشريك رمزي في الحكومة مع حركة نداء تونس ومنحت الصيد وفريقه ثقتها وكانت قد خطت خطوات في تغيير طرحها في تونس وبداية تخليها عن عدائها لكل ما هو حركة إصلاحية وطنية تحديثية يخالف طرحها الإيديولوجي لتصل أمس إلى مرحلة يصعب تمييزها عن بقية المحتفلين بالذكرى 60 للاستقلال.

وان أنكر عضو المكتب التنفيذي الشاب زياد بومخلة هذا التحول الكلي في علاقة النهضة بالإرث الوطني التونسي فان القيادي عبد الكريم الهاروني الذي كان من المشاركين في الاحتفالات اختزل في تصريح لـ»المغرب» أن الحركة حية وتتطور وتتفاعل مع محيطها وفق الملاحظات والانتقادات التي تتلقاها وهو ما جعلها تتقدم في اتجاه تأكيد أنها وفية للحركة الإصلاحية والوطنية وتحترم كل نضالات التونسيين بمختلف توجهاتهم الفكرية وهي حريصة اليوم على الوفاق خاصة في ظل الحرب على الإرهاب.

تصريح أضاف عليه عبد الفتاح مورو بخطاب لأنصار الحركة أهم ما جاء فيه هو ضرورة انخراط تونس أكثر في محيطها المغاربي دون غيره وربطه باستكمال مسار الاستقلال من سيادية القرار خاصة فلم يتحدث مورو عن الارتباط بالأمة الإسلامية أو العربية فقد كان طرحه واقعيا بعيدا عن أي إيديولوجيا بما فيها الإسلام السياسي ليستكمل تركيب صورة أرادت الحركة تأكيدها من خلال احتفالها بالذكرى ال60 للاستقلال وهي أنها «تتونست» وهدفها هو الوحدة الوطنية لا غير.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115