لعلّ الحرص على عدم الخوض مجددا في صدام مع المملكة العربية السعودية هو ما دفع بحكومة يوسف الشاهد الى إقالة وزير الشؤون الدينية عبد الجليل بن سالم، على خلفية تصريحاته التي حملت المملكة مسؤولية انتشار الإرهاب المقترن بالفكر الوهابي، وهو اول موقف من نوعه يصدر عن وزير تونسي. موقف اعتبرته حكومة يوسف الشاهد يمسّ من جوهر وثوابت الدبلوماسية التونسية.
فيصل وبورقيبة
هذه الثوابت التي تدافع عنها الحكومة في علاقتها بالمملكة، لم تكن دائما في صالح المملكة التي تصادمت دبلوماسيا مع تونس في أكثر من مناسبة وشهدت العلاقات بينهما فتورا استمر لسنوات عادت بفضل العلاقات الشخصية، فما يحدد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ما قبل الثورة كانت العلاقات الشخصية بين الماسكين بمقاليد السلطة فيهما.
العلاقة التي نشأت في الاحتفالات بالذكرى الـ14 لتوحيد المملكة سنة 1946، وذلك بمشاركة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، في الاحتفالات المقامة بالمناسبة في مقر البعثة الدبلوماسية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية. مناسبة استغلها الحبيب بورقيبة لخلق علاقة مع وزير الخارجية السعودي الأمير النافذ يومها، فيصل بن عبد العزيز. لتنشأ بين الرجلين صداقة ساعدت الحبيب بورقيبة على أن يحظى بدعم مطالب استقلال تونس عن فرنسا من الأمير السعودي في 1946، حينما شارك بورقيبة في أشغال الدورة العادية للأمم المتحدة، كعضو في وفد العراق.
فيصل الذي زار تونس أول مرة في 1943، بعد أشهر من الإفراج عن بورقيبة من السجون الفرنسية، لا معطيات تكشف انه التقى يومها بالحبيب بورقيبة، لكن الحبيب بورقيبة حينما زار المملكة بعد رحلته الأمريكية واستقبل من قبل الرجل الثاني في النظام السعودي الذي قدمه للملك عبد العزيز.
زيارة الأمير السعودي لم تتبعها زيارات رسمية الى تونس إلا في 1966 بعد أن بات ملكا، وقد زار تونس بصفته تلك مرتين، الثانية 1973. وتواريخ الزيارات ارتبطت دائما بالوضع الإقليمي وتحديدا بالخلافات بين المحور السعودي والمصري. فالخلاف ما بين المملكة ومصر وتونس ومصر، كان له دور في تعزيز العلاقات بين النظام التونسي والماسكين بمقاليد السلطة في المملكة.
علاقة لم تؤثر فيها رسالة ابن باز وعدد من مشايخ المملكة، التي كفر فيها بورقيبة ودعي الى التوبة، يومها كان رد تونس رسالة شكر لابن باز على نصحه مع تذكيره بكفاح بورقيبة من أجل الإسلام وتضمن دستور تونس أن الإسلام دين الدولة.
علاقة تونس بالمملكة استمرت في نسقها الذي نشأت عليه رغم اغتيال الملك فيصل وقدوم خليفته خالد بن عبد العزيز، الذي انطلق في فترته التعاون الاستثماري بين تونس والمملكة في سنة 1981، بعد أن تم افتتاح مكتب التوظيف السعودي في تونس في 1980.
منذ ذلك التاريخ ظلت السعودية تعتبر ابرز المستثمرين العرب في تونس، مع الكويت، وهو ما استمر مع وصول بن علي للرئاسة في 1987، الذي استقبل بعد انقلابه بسنة سلمان بن عبدا لعزيز أمير منطقة الرياض يومها وملك السعودية الان، لتنطلق علاقات بين الرجلين.
الصدام مع نظام بن علي
لكن الود بينهما لم يحل دون الصدام بين تونس والمملكة في 1990، على خلفية موقف تونس من حرب الخليج الثانية واعتبار أن حرب تحرير الكويت باتت حربا لتدمير العراق، وهو ما عبرت عنه صراحة.....