نحن دوما نطالب بالمزيد من الفلوس من المنح، من الترقيّات، من العطل...
لا يشبع أهل القطاع العامّ أبدا. دوما يصرخون «هل من مزيد». في القطاع، لا نشتغل الا قليلا. نأتي ما تيسّر. لا نبذل جهدا كثيرا ولا حرصا مستديما. نأتي الى الشغل بعد الأوان. نغادر الشغل قبل الأوان. نفعل ما كتب الله دون حزم، دون عزم...
من طبع الكسول التذمّر. الكسول دوما يشتكي. دوما يتصيّد، يناور، يجادل، يضيع العمر في الكلام، في ما لا ينفع. للكسول عقل سقيم ويد قصيرة ولسان طويل. في الشغل لا يشتغل بل تراه يحسب، يتدبّر، يغالط، يواري، يتحيّل، يشتكي العسر وما هو في عسر، يضيّع جهده وأيّامه في نصب الكمائن، في مصارعة الريح، في التحريض، في المطالبة بما هو له أنفع...
رغم التقاعس الضارب، ترى الكسالى في القطاع العموميّ يقولون ويؤكّدون انّهم يكابدون وانّهم منهكون وهم في شغل لا ينتهي وانّهم من يشدّ السماء ومن يسوّي الليل والنهار. يعتقد أهل القطاع العام أنّهم أصحاب الفضل في ما نحيا وبدونهم تنتفي الحياة وينتهى الوطن...
في الادارات، في الوزارات، في البلديات، في المعاهد، في الجامعات، في الأمن، في مجلس النوّاب، في هيئة الحقيقة والكرامة، في الجنوب، في الشمال، أكل أهل القطاع العام ثروات البلاد وتمكّنوا من رقاب العباد وهاهم اليوم في عيش بهيّ. لهم المنح والأجور والعيش الهنيء. يفعلون في الأرض ما يشاؤون...
أنا أيضا رجل محظوظ. أشتغل في القطاع العامّ منذ أكثر من ثلاثة عقود. أنا طبعا مرسّم في الشغل ولا يطرد من كان مرسّما ولا هو يخاف ولا هو يحزن. لي شغل قليل محدّد ولي في كلّ سنة بفضل النقابات زيادات في المنح وفي الأجور. الشغل عندي واضح المعالم، محدّد، مكتوب في القوانين... قد تتغيّر الدنيا وقد يكسد السوق. قد تزلزل الأرض زلزالها وتنقلب الجبال وتشحّ الأوديّة... لكن يبقى القطاع العام قائما، جلمودا، يمشي في نفس السبيل، على نفس الوتيرة ولن يحصل فيه اعادة نظر أو تغيير... في القطاع العام كلّ الحقوق .....