حديث الأنا: أنا والشيخ الوقور

حين أنظر في ما فات من العمر، أجد أنّني تغيّرت. تغيّرت كثيرا. أنا اليوم شخص آخر مختلف.حين أنظر في مراحل العمر، أجد أنّ فكري، نظري، سلوكي...،كلّها تغيّرت. في كلّ حقبة، أراني أحمل معتقدا، أمشي في سبيل مختلف، أحمل غير ما كنت أحمل من حسّ وفهم...

بالأمس، لمّا كنت شابّا بهيّا، كنت من اليسار عقلا وروحا. اليوم، في الستّين، أعتقد أنّي من اليمين بل وأرى في اليسار غلوّا ونظرا معتلا. بالأمس، لا أومن بالأنبياء ولا بالرسل. اليوم، يخامرني تردّد. مرّة، أومن بالقضاء وباليوم الآخر ومرّة، لا أومن بالقضاء وباليوم الآخر.في نفس اليوم، تارة أمشي على اليمين وتارة أمشي على اليسار...

كذلك أنا منذعقود، منذ أدركت الوجود. كذلك أنا، ريح تهزّها ريح. فكر متقلّب يحملني بين نقيض ونقيض... لماذا أنا دوما في تقلّب؟ لماذا لا أعرف اطمئنانا ولا سكونا؟أفليس لي فكر حتّى أتبيّن وأيقن وأستقيم؟ الى متى سأحيا في اضطراب، وقد سكن رأسي صخب وضجيج؟ أنا تعب وهذا فكري، في صراع، يتأرجح بين المتناقضات، بين رفض وقبول...

في ما أرى، أنا لست خيرا ولا شرّا. أنا لست مؤمنا ولا كافرا. أنا لست من اليمين ولا من اليسار. أنا بين الشكّ واليقين، بين التقوى والمجون، بين العقل والجنون، بين الملائكة والشياطين...
أعجب من الناس لمّا يقولون ويؤكّدون أنّ لهم ثوابت منتهيّة وأنّ لهم ايمانالا ريب فيه وأنّهم دوما على العهد، لا يتزحزحون، لا يتنازلون. لا يمسّ هؤلاء أبدا شكّ ولا ظنون.اطمأنت قلوبهم وسكنهم سكون...

حين أصغي لأهل السياسة وخاصّة منهم من كان في اليسار يسير، تراني أعجب ممّا يقوله قادتهم من قول ممجوج، من كلام يعيدونه كعصف مأكول، من مبادئ صمّاء، منتهيّة. أهلك أهل اليسار ما أصاب عقولهم من جمود، ما كان في أعينهم من نظر موصود، ما كان لهم من أطر وحدود... كذلك، يفعل ساسة الدين، في اليمين. حسب هؤلاء، الحرام بيّن والحلال بيّن والحقّ والباطل والخير والشرّ... لا سبيل عندهم الى اعادة النظر ولا الى السؤال ولا الى كسر المفاهيم. يمشي هؤلاء وأعينهم مشدودة الى الوراء. عند هؤلاء، كلّ نظر جديد بدعة وكل مبدع في الجحيم. عند هؤلاء، كل انكار أو شكّ هو ارتداد وحكم المرتدّ واضح، جليّ...

ذات عشيّة، التقيت شيخا عليه وقار المصلّين ذا لحية وعلى جبينه سمة... اقتربت منه. حييته فردّ .....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115