يصف الملاحظون حارس المرمى بأنه نصف الفريق و حساسية مركزه تفرض عليه اليقظة الدائمة و الجاهزية لحماية شباك فريقه و أيضا صنع الانتصارات فكم من فوز كان وراءه حارس في يومه و كم من مباراة أهدرت بأخطاء قاتلة منه ...وخطة الحارس حساسة و استثنائية و تتطلب عدة مهارات ،وفي سنوات مضت كانت البطولة التونسية قبلة لبعض الأسماء الأجنبية على غرار السينغالي الشيخ ساك و الايفواري جون جاك تيزي مع الترجي و النيجيري أوستين مع النجم الساحلي مما جعل أهل القرار يرفعون الفيتو أمام الحراس المستوردين حتى لا يتحول الأمر إلى أزمة في حراسة المرمى في تونس تنعكس على المنتخب.
ما سلف يجرنا إلى طرح الإشكالية التالية : هل يولد حراس المرمى موهوبين بالفطرة أم أنهم يصنعون و يتكونون بالتدريب منذ الأصناف الشابة ؟ هذا التساؤل حملناه إلى عدد من أهل الاختصاص فكان ما تقرؤون.
صلاح الفاسي (مدرب حراس النادي الافريقي سابقا )
«التكوين القاعدي اساس النجاح...»
« الموهبة يجب أن تكون موجودة دون نقاش،لكن ما يرجح كفة لاعب على آخر هو الانضباط و العمل في مرحلة التكوين القاعدي فحارس المرمى إذا لم يكن تكوينه منذ البداية على أسس سليمة و صحيحة فمن الصعب أن يدرك مسيرة متميزة من منطلق خبرتي في العمل مع النادي الافريقي ، فضلا عن ذلك فإن اختيار مدرب الحراس في الأصناف الشابة له دور هام فهذه المهمة لا يمكن أن تسند لأي كان بل لكفاءة يمكن أن تضمن تقديم الإضافة و تعمل على تكوين مادة خام يمكن أن تعود بالفائدة على الجمعية وتفتح أمامها أبواب صنف الأكابر منذ انتمائه إلى الأواسط أو النخبة. نلاحظ في البطولة أن بعض الحراس الذين يتألقون في وضعيات صعبة يرتكبون أخطاء بدائية يقبلون بها أهدافا وذلك لا يرجع إلى ضعف إمكانياتهم بل لأنهم لم يتدربوا منذ الأصناف الشابة على تدارك تلك الأخطاء .»
ويضيف محدثنا :» من أهم مواصفات حارس المرمى القوة الجسمانية و الطول لأن العمل ككل يعتمد على هذه الخاصيات ، وهذه النقاط يمكن القول إنها كانت غير مطروحة سابقا لأن النسق كان اقل و كان بالإمكان تعويض تلك النقائص بالاجتهاد.»
محسن بالشاذلي (مدرب الاصناف الشابة بالترجي)
«الطول و القوة الجسمانية شروط حارس مرمى ناجح..»
« الموهبة حسب تقديري غير كافية فبالإمكان أن تجدها لدى طفل لا يتمتع بالبنية الجسمانية المناسبة و الطول المطلوب لذلك تكون نسبة النجاح ضئيلة. عند اختيار اللاعبين في الأصناف الصغرى نركز على المادة الأولية والبنية الجسمانية فيقع انتقاء 4 أو 5 لاعبين لخطة حارس المرمى ليكون اثر ذلك الشروع في العمل والتكوين لكن الاختيار رهين نمو الطفل خاصة في سن الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة خاصة على مستوى الطول فإن لم يكن بالطول المطلوب فلا مجال لاختياره وقد تذهب السنوات التي قضاها في التكوين ادراج الرياح ويتحسر على ضياع مسيرة كروية كان يمكن أن تكون انجح لو تم الاختيار على مركز آخر ...
خلاصة القول إنه لا يمكن التنبؤ منذ البداية بقدرة اللاعب على أن يكون حارس مرمى بل كل شيء مرتبط بضربة حظ يتحكم فيها نموه الجسماني .»
محمد الحبيب حسني (مدرب الأصناف الشابة بالملعب التونسي)
«الموهبة و خصال أخرى...»
« لكل مدرسة فلسفتها في مجال حراسة المرمى ، لكن المؤكد أن الاختيار يكون منذ الصغر على عدة أسس أو شروط إن صح التعبير تتمثل في الطول وسرعة رد الفعل وقوة الشخصية لأنه آخر نقطة في الخط الخلفي ويتحمل مسؤولية كبيرة في المحافظة على عذارة شباكه ...إن توفرت هذه النقاط فيمكن القول أنك في الطريق الصحيحة ضمن مشروع بناء حارس مرمى ناجح ومتميز .»
ويستطرد الحبيب حسني :» يجب أن يملك حارس المرمى شخصية قوية لأنه وجوده في أي فريق يعطي موجات ايجابية لزملائه ولذلك نراه في الغالب يحمل شارة القيادة ، فلا أحد ينكر أن بعض الفرق تحقق انتصاراتها لأنها تملك حراسا ممتازين ، لذلك فمن المستحيل أن تصنع حارس مرمى من فراغ ما لم تتوفر المواصفات التي ذكرناها سابقا .»
أنور بن حميدة (مدرب حراس نادي طبرجل السعودي)
« للمدرب دور هام في صقل الموهبة...»
اثر تجربة محلية مع أكثر من فريق تونسي من النادي القربى و قرمبالية الرياضية والملعب التونسي ، انتقل مدرب الحراس أنور بن حميدة إلى أجواء البطولة السعودية و تحديدا ضمن نادي طبرجل الرياضي ضمن الدرجة الثانية السعودية وفيما يتعلق بموضوعنا يقول بن حميدة :» اللاعب أو المحيطون به من عائلته هم الذين يختارون مركز اللاعب في سن السادسة أو السابعة ويمكن اثر ذلك أن يغيّر الخطة إذا لم تلائمه لكن في سن الثالثة عشرة عليه أن يكون قد اتخذ قراره النهائي إذا كان يحب كرة القدم و خطة حارس المرمى تحديدا وهنا يأتي دور مدربه الذي يجب أن يعمل معه من الناحية الفنية . انا أؤمن بالبرمجة و العمل منذ الأصناف الشابة و اعتقد ان الفترة بين 13 و 17 سنة كافية لتكوين حارس ممتاز إذا كان المدرب كفءا بشرط ان يكون اللاعب كما قلنا يرغب في أن يصبح حارس مرمى لأن ذلك يساهم بنسبة 10 % في النجاح فحتى أن لم تكن له منذ البداية الإمكانيات لذلك فهو قادر على اكتسابها بالعمل وصقل أدائه.» وحسب محدثنا فإن :» الموهبة لا تكفي فقد يكون موهوبا من البداية لكن لا يمكن أن يدرك المستوى المرجو منه بل العمل والاجتهاد و خاصة دور المدرب في صقل موهبته و تنمية قدراته تقنيا لان العمل من الناحية البدنية يأتي فيما بعد ...من مطلق تجربتي في البطولة دربت عديد الحراس على غرار وسيم نوارة و خميس الثامري و رامي الجريدي وكذلك الصادق يدعس الذي أتنبأ له بمستقبل كبير ففي سن الثالثة عشرة بلغ طوله 1.84 متر وهو ما شجع الترجي الرياضي على انتدابه ، هذا الحارس لم يكن له في البداية عزيمة و حافز للتألق لكني حرصت على الإحاطة به و الحديث معه وتشجيعه داخل الميدان و خارجه مما فتح أمامه ابواب الانتقال للترجي وأنا واثق بقدرته على فرض نفسه إذا وجد الإحاطة و التأطير اللازمين.»