أما اليوم فيبدو أنّ هيبة عميد المهرجانات المسرحية قد انحسرت على خشبة الفن الرابع، وهو ما تعكسه بعض عروض المسابقة الرسمية في الدورة 23 والتي لم ترتق إلى درجة الإبداع أو حتى مجرد الاحتراف !
وبدوره جاء العرض اللبناني»كوكتيل شقف بلا معنى» للمخرجة الشابة جنى أبو مطر وكأنه تمرين للطلاب أو تدريب على الفعل المسرحي.
حيرة وجودية في مدينة تنهار
في مدينة كانت قصص الحب فيها أعنف من الحروب وأشرف من الإيديولوجيا تعيش شخصيات مسرحية «كوكتيل شقف بلا معنى» صراعا ما بين الرحيل أو البقاء في وطن يغتال الأحلام ويتقاسم الأحزان في ظل انهيار اقتصادي كبير خاصة بعد انفجار بيروت.
كان الأبطال ثلاث شخصيات: رجل وامرأتان في عمر الشباب المتوهج بالحيرة والبحث عن الكينونة تحت سماء بلاد تكتب مصيرهم بدلا عنهم. وفي مواجهة قيود من العقد والعواطف والأفكار حول الزمن، الإيديولوجيا، الجنس، الموت، الوهم، الحقيقة... تحاول الشخصيات الانصهار في بعضها البعض حتى تكتمل أحيانا ثم تتباعد أحيانا أخرى في إعلان الانفصال والقطيعة.
في اختيار سينوغرافيا المسرحية رسمت المخرجة جنى أبو مطر ركحين على خشبة واحدة : داخل وخارج في دلالة على تردد خطى الأبطال بين خيار الانغماس في يوميات مدينة باتت كئيبة وخيار البحث عن «فيزا» الهجرة إلى سماوات أخرى .
في مواجهة عبثية السياسة، يسعى أبطال العرض إلى «خلق لحظات مكثفة وعميقة ورنانة في المكان والزمان على خشبة المسرح. وفي المقابل يناضلون ضد ربط أي معنى وأي وهم بسردية الواقع السائد في هذا الجانب من العالم».
وقد كان توظيف المؤثرات الصوتية نابعا من العرض في حد ذاته وذلك باستثمار موسيقى من الداخل تعزفها وتغنيها الشخصية الرابعة في المسرحية لتكون في النهاية تكملة للنص والحوار والمعنى.
يتساءل عرض «كوكتيل شقف بلا معنى» عما إذا كان بإمكاننا الوجود خارج المعنى، وما إذا كان بإمكاننا الوجود خارج دائرة الحب؟
مجرد تمرين على المسرح !
بدا هذا العرض وكأنه -فعلا- «كوكتيل» من المسرح والجماليات والشخصيات ألقت بها المخرجة دفعة واحدة على الركح دون تنسيق أو ترتيب . فبدا العرض وكأنه شظايا من المشاهد المبعثرة على قارعة الخشبة والأمر متروك للأبطال لإعادة تركيبها ثم تفكيكها وإعادة تركيبها من جديد ضمن حلقة متواصلة من البحث عن المعنى. ولئن حاولت مسرحية «كوكتيل شقف بلا معنى» أن تفتح أبواب المسرح التفاعلي في ربط علاقة مع الجمهور ليكون بدوره جزءا من العرض فإنها فشلت في تحريض المتفرجين على التفاعل مع أسئلة وجودية وحيرة كونية تنعكس على واقع كل المجتمعات العربية وليس لبنان فحسب.
في المجمل لم يكن أداء الممثلين مقنعا أو ملفتا للحواس والإحساس بالرغم من محاولة الاندماج في السياق والمناخ العام لفلسفة العرض.
كانت مشاهدة مسرحية «كوكتيل شقف بلا معنى» خيبة لدى جمهور الفن الرابع الذين غادروا مقاعدهم في تصفيق مجاملة بعد نهاية العرض دون أن تتحرك أيديهم ولو مرة واحدة بالتصفيق على امتداد ساعة من الزمن.
وقد شهد شاهد من أهلها» حين استغرب المخرج والباحث اللبناني ورئيس جمعية «المسرح الآخر» طلال درجاني من برمجة هذا العرض في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية واصفا إياه بعرض هواة والحال أن المسرح اللبناني لديه الأفضل والأجمل!
يمثل لبنان في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية: عرض «كوكتيل شقف بلا معنى»... كان بلا معنى !
- بقلم ليلى بورقعة
- 12:16 10/12/2022
- 823 عدد المشاهدات
ضمن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية يطمح العرض اللبناني «كوكتيل شقف بلا معنى» إلى التتويج والفوز بجوائز المهرجان العريق الذي كان قبل الآن الصعود على ركحه في حد ذاته تشريفا ورهبة.