وتأتي هذه المحاولة في وقت يعيش فيه السودان وضعا سياسيا واقتصاديّا صعبا، وذلك بعد عامين من الإطاحة بنظام عمر البشير إثر إحتجاجات شعبية عارمة أفرزت حكومة انتقالية تضم مدنيين وعسكريين.
وأفاد الإعلام الرسمي أمس الأول أنّ «هنالك محاولة انقلابية فاشلة. على الجماهير التصدي لها». وأكد مصدر حكومي رفيع أن منفّذي العملية حاولوا السيطرة على مقر الإعلام الرسمي لكنهم «فشلوا». من جهته قال مصدر عسكري وفق وكالة «فرانس براس» إنه «تم توقيف عدد من الضباط المتورطين في الانقلاب» دون أن يحدد عددهم أو الجهة التي ينتمون إليها. وأكد عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان أن الوضع تحت السيطرة.ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) عن مصدر في مجلس الوزراء تأكيده أنه «تم اعتقال المتورطين وهم من فلول النظام السابق.. ويجري التحقيق معهم».
وقد ارتفعت الأصوات المنادية على الصعيدين المحلي والدولي بتوحيد الجيش ووضع مؤسساته الاقتصادية تحت إشراف المدنيين وسط مخاوف من تجدّد الخلافات داخل المؤسسة العسكرية . إذ حذر مؤخرا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مما وصفه بـ حالة «التشظي» داخل المؤسسة العسكرية.وأضاف أن «التشظي العسكري داخل المؤسسة العسكرية أمر مقلق جدا». ويربط مراقبون هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة بالتشرذم المسيطر على المؤسسة العسكرية والخلافات بين مكوناتها .
وقالت مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية ‘’سمانثا باور سمانثا باور’’ مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية خلال زيارة أجرتها إلى الخرطوم في أوت الماضي «الولايات المتحدة تؤكد أن السودان يجب أن يكون لديه جيش واحد وتحت قيادة واحدة».
وأضافت المسؤولة الأمريكية «سندعم جهود المدنيين للإصلاح المنظومة الأمنية ودمج قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة للمعارضين السابقين».يشار إلى أنّ العسكر والمدنيين وقّعوا في 2019 عقب الإطاحة بحكمة عمر البشير، اتفاقا لتقاسم السلطة نص على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقا بعد أن أبرمت الحكومة السودانية اتفاق سلام مع عدد من حركات التمرد المسلحة في أكتوبر.وبموجب الاتفاق، يتولى الجيش السلطة على المستوى السيادي بينما تقود حكومة مدنية ومجلس تشريعي الفترة الانتقالية.
تحديات كبرى
وتواجه الحكومة الجديدة بقيادة رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، وضعا داخليا صعبا خاصة وأنها تعاني منذ توليها -عقب الإطاحة بحكومة عمر البشير التي أسقطها الحراك الشعبي- اختبارات صعبة في عدة مجالات داخلية وأخرى خارجية .
ويعدّ الاختبار الأصعب أمام حكومة حمدوك المظاهرات الشعبية والاحتجاجات الاجتماعية المتصاعدة التي رفعت مطالبا بالتغيير ومحاربة الفساد والبطالة والفقر المدقع وغيرها من المطالب المعيشية .وتخشى حكومة حمدوك أن يرفع المحتجون والمعارضة سقف المطالب خاصة بعد الآثار الكارثية للفيضانات الأخيرة مما يوحي بأنّ الأوضاع ستسير نحو مزيد من التفجر وقد تصل إلى حدّ دخول السودان في الفوضى .
وتولّت حكومة حمدوك المسؤولية بعد الإطاحة بعمر البشير بعد 16 أسبوعا من المظاهرات الشعبية التي توسعت رقعتها وقد تتزايد وتيرتها مع ظهور موجة رفض كبير لأي دور سياسي قد يلعبه الجيش السوداني . وجاءت الإطاحة بالبشير (75 عاما) في بيان على لسان وزير الدفاع عوض محمد أحمد بن عوف أذاعه التلفزيون الرسمي أمس ، بعد 3 عقود من الحكم.وخلف الانقلاب العسكري الذي شهده السودان ردود فعل دولية وأخرى إقليمية دعت في أغلبها إلى دعم الانتقال الديمقراطي والسلمي للسلطة في السودان في مهلة أقل من العامين على غرار ما فعلته أمريكا وألمانيا وفرنسا .
ويرى مراقبون أنّ ما حصل يزيد من مخاوف تحوّل السودان إلى ساحة لصراعات جديدة قد يغذيها تضارب السياسات الداخلية وتباين المواقف بين مختلف مكونات المشهد السياسي الداخلي، إذ بات الغموض يكتنف مستقبل هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها السودان .وبالإضافة إلى المعضلات الداخلية يحذر متابعون من تنامي الدور الخارجي الذي يواجهه السودان الذي بات في مرمى مطامع أطراف خارجية لعدة اعتبارات نظرا للأهمية الاقتصادية والإستراتيجية التي يتمتع بها السودان. وخلف التغيير في رأس السلطة السودانية تباينا في ردود الفعل الدولية والإقليمية التي دعمت في أغلبها الانتقال الديمقراطي والسلمي للسلطة في السودان .