بطل من الذاكرة: يونغ بيراز قصة أول بطل عالمي تونسي لا يعرفها التونسيون

• رقم قياسي لم يحطم إلى اليوم ... لكن ما سر اختفائه من سجلات الرياضة التونسية

عديدة هي الأسماء التي كتبت اسمها بأحرف من ذهب في تاريخ الرياضة التونسية بانجازات و تتويجات و ألقاب عالمية يبدوا أنها لم تكن كافية عن قصد أو عن غير قصد لتضل راسخة في الذاكرة.
«يونغ بيراز» ما يمكن تأكيده أن القليل و القليل من يدرك من يكون «يونغ بيراز» وحتى الأقلية التي تدرك من يكون «يونغ بيراز» فقد أكدت انه الاسم السابق للملعب الذي تم إنشاء على أنقاضه ملعب المنزه سنة 1967 بمناسبة ألعاب البحر الأبيض المتوسط دون أي معلومات إضافية من شانها أن تنفض الغبار بعد أكثر من 75 سنة عن أول من أهدى تونس أول بطولة عالمية في تاريخها سنة 1931 في عمر 20 سنة .

رقم قياسي لم يحطم إلى حد الآن
إذا فاز محمد علي كلاي بأول بطولة للعالم وهو في الثانية والعشرين من عمره فإن الملاكم التونسي فيكتور يونغ بيريز سيبقى خالدا في الذاكرة الرياضية العالمية بعد أن فاز ببطولة العالم في وزن الذبابة و عمره 20 سنة ليحقق رقما قياسيا لم يتم تحطيمه إلى حدّ الآن لذلك ستبقى الملاكمة العالمية تذكر في سجلاتها وللأبد هذا البطل الشهير في الخارج المنسي في وطنه.

من تونس إلى فرنسـا .. مسيرة رياضية عالميـــة ناجحــة ونهاية درامية محزنة.

يُعد الملاكم التونسي من أصل اليهودي فيكتور بيريز الملقب «بيونغ بيريز» واحداً من أشهر الشخصيات الرياضية التونسية خلال فترة ثلاثينات القرن الماضي حيث مرّ هذا البطل بحياة مليئة بالنجاح والتفوق في رياضة الملاكمة قبل أن يجد نفسه داخل معسكرات الموت النازية خلال فترة الحرب العالمية الثانية.
ولد يونغ بيريز في 18 أكتوبر من سنة 1911 بتونس العاصمة وقد بدأ بممارسة الملاكمة صغيرا وتعلم رياضة الفن النبيل بين قاعات المدينة العتيقة و قاعة جو ڤايز بتونس العاصمة ( تحديدا القاعة الموجودة خلف ولاية تونس حاليا)، وبدأ منذ صعوده الحلبة في تحقيق الانتصارات بكافة قاعات الجمهورية ما جعله محط حديث الشارع و الصحف المحلية.

أول بطولة عالمية في تاريخ تونس
لم يكن حلم فيكتور مجرد ممــــارسة الملاكمة في تونس أو الإكتفاء ببطولة تونس بل كان يطمح للعالمية و مقارعة أبطال اللعبة و هذا ما جعله يهاجر بإتجاه فرنسا لينجح سنة 11 جوان سنة 1931 من افتكاك لقب بطل فرنسا للملاكمة لوزن الذبابة من العملاق الفرنسي فالنتين أنجيلمان ليجلب له الأنظار ويفتح له هذا الفوز أبواب العالمية على مصراعيها ليراهن بعد أقل من أربعة أشهر على بطولة العالم لوزن الذبابة و يتمكن في سهرة لا تنسى وتحديدا يوم 26 أكتوبر 1931 بقصر الرياضة بفرنسا و أمام 18 ألف متفرج من الإطاحة بالضربة القاضية بصاحب اللقب الأمريكي فرانكي جينارو وعمره وقتها 20 سنة ليصبح أصغر بطل عالم في تاريخ الملاكمة و اقترن به اسم «يونغ»
و على إثر تتويجه بالبطولة العالمية عاد البطل الصغير «يونغ بيريز» إلى وطنه تونس مظفرا أين استُقبل استقبال الأبطال بشوارع العاصمة لأنها كانت تلك البطولة العالمية الأولى التي تسجل بأسم تونس في جل الرياضات.

خسارة اللقب العالمي
وبعد نجاحه سنة 1931 عاد البطل التونسي للخلبات و خاض للنزالات و حقق عديد الانتصارات إلا أنه لم يستطع أن يحافظ على لقبه حيث خسره تحديدا في 31 أكتوبر 1932 لصالح الملاكم البريطاني بطل العالن جاكي براون، ثم عاد للمراهنة على اللقب في مناسبتين سنة 1934 وتحديدا في 19 فيفري و 1 نوفمبر أمام عملاق الوزن البنمي ألفونسو تيوفيلوا براون و لكنه خسر في النزالين الذين أجريا بتونس و فرنسا.

إصرار على مواصلة المشوار
رغم خسارته اللقب العالمي لم ينقطع فيكتور عن ممارسة رياضته المفضلة بل واصل المشوار وخاض عددا كبيرا من المقابلات بتونس ورومانيا و مصر و فرنسا و اسبانيا والجزائر، و من أهم النزالات التي أحدثت ضجة هي مباراته على أراضي ألمانيا النازية وقتها ضد النمساوي ارنست ويز و تحديدا في 11 نوفمبر 1938 ببرلين و التي انتصر فيها بالنقاط، وتعود أهمية النزال لكونه وقع قبيل فترة وجيزة من اندلاع ما يعرف بـ«ليلة البلور» سنة 1938.

بعد تلك الفترة واصل الملاكم التونسي التنقل بين تونس وفرنسا وعاش علاقة عاطفية مع الممثلة الفرنسية الشهيرة ميراي بالين لكن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية اتخذ البطل التونسي قرارا قد يكون سيئاً وسيغير حياته حيث أنه فضّل البقاء في فرنسا تزامناً مع بداية الاجتياح الألماني للأراضي الفرنسية خلال شهر ماي 1940 رغم دعوات أصدقائه للعودة و البقاء في موطنه تونس، ولكن جرت الرياح كما يشتهي التيّار حيث ألقت يوم 21 سبتمبر 1943 قوات الـ«أس. أس» النازية القبض على الملاكم التونسي في نطاق الحملة الألمانية الواسعة على يهود أوروبا (عقب انعقاد مؤتمر «وانسي» وإقرار «الحل النهائي» لمسألة يهود أوروبا) ليتم على إثر ذلك اقتياده نحو مركز الإبادة الجماعية بأوشفيتز ببولندا .

بداية النهاية
حسب الروايات فقد تمت معاملة الملاكم التونسي كبقية المعتقلين عقب حلوله بمعسكر “أوشفيتز”، ولكن حال اكتشاف هويته الحقيقية حصل بطل العالم على معاملة سيئة و أجبِر على خوض مقابلات ملاكمة ضد عدد من الحراس الألمان مقابل حصوله على كمية ضئيلة من الخبز والحساء في حال فوزه، و في يوم 22 جانفي سنة 1945 وخلال ما يعرف بـ«مواكب الموت» (المواكب الجنائزية) أقدم أحد جنود الـ«اس. اس» على إعدام الملاكم التونسي رمياً بالرصاص من مسافة قريبة بعد أن قبض عليه متلبسا خلال محاولته تهريب قطعة من الخبز إلى أحد الأسرى الآخرين، وقد تحدثت بعض المصادر أن الجندي الذي أعدم البطل التونسي لم يكن سوى ملاكم ألماني سابق يعمل لصالح فرق الـ«أس. أس» كان بيريز قد تغلب عليه خلال مقابلة سابقة لتكن النهاية المأساوية و اللا إنسانية للبطل التونسي و تم الحديث عنها و تداولها.

فارق «فيكتور يونغ بيريز» الحياة عن عمر ناهز الـ33 سنة وخلال مسيرته الرياضية شارك في 138 نزال تمكن خلالها من تحقيق 92 انتصار كان من ضمنها 29 بالضربة القاضية و 15 بالتعادل و حقق بطولة فرنسا و بطولة العالم للوزن الخفيف و كتكريم له تمت تسمية الملعب الذي سبق إنشاء ملعب المنزه سنة 1967 بإسمه قبل أن يتم حذفه و تغيير اسم الملعب ليختفى فيكتور من سجلات الرياضة التونسية وليبقى ذكرى جميلة لم يعرفون قصته الحقيقية ويدركون قيمة ما أنجزه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115